أحترم الهاتف الذكي، فهو كالابن الذي «يطيح باسمه»، فمنذ ولادته أعطى نفسه خاصية الذكاء، وعلى خلاف ذلك يصنف البشر بعضهم البعض بالغباء، وتبقى النخبة هي من يعرف لغة الأرقام والجبر والإحصاء، ويفهم قوانين وقواعد الفيزياء والكيمياء فيكون في خانة الأذكياء. ومن دوافع احترامي للهاتف الذكي أنه تذاكى علينا جميعاً واتحد مع جائحة كوفيد- 19 فجعلنا نعيش في عزلة معه، نعتمد عليه في تسيير ثروتنا القابعة في حسابات البنوك عبر الشبكة العنكبوتية، وطلب ما نأكل وما نشرب وما نتعالج به من أدوية ودفع فواتيرنا وشراء تذاكر السفر، وهو الذي يرصد تحركاتنا ويُعرف الناس علينا وعلى مكان وجودنا، وغير تلك المواقف الكثير.
ويعود أهم دواعي احترامي لهذه الأداة المُدمرة إلى مقدرتها على محاكاة نفسيات البشر، وتحليل سمات الإنسانية، وفك المبادئ، وتسفير الذاكرة، لأنها تعمل بقوة ناعمة تهدم جسور ذكائكم فتتحكم في الفضول والترفية، وتقيم لهم عبر آراء الآخرين ما عليهم لبسه وأكله وعمله ليصبحوا من المشاهير، فيمضي الوقت مع الهاتف وأنت تضحك وفي تنويم مغناطيسي مباشر لا يقظة منه، في حين يعتقد المستخدم أنه يعي لما يخطط له وما يدور حوله.
ويكمن ذكاء الهاتف في دخوله حيز الخصوصية والسرية فيخترق الحاجز الذي سبق أن وضعه افتراضياً بين الأجيال، فنرى الصبية والفتيات والجدات لديهم متابعون يطلبون منهم وضع «محبب» و«اكتشف» فيكسبون المال بسهولة ودهاء، فهناك من يطبخ في غرفة النوم، ومن يشتم الآخرين فيرد عليه من سبهم ومعه حشد من متابعيه. وهناك من هم من العالم الفني ويتشابك بالألسن والردود المشينة مع من هم في ذات المجال وتدور حرب النجوم بينهم. وبعد «الترند» والاعتذار الذي لم تُحدد الشخصية التي ستقوم بذلك سيمضي الزمن وينسى البشر هذه المهاترات لنتابعهم في مسلسل رمضاني. والأذكى من ذلك كله أنه أصبح رخيصاً فهو أرخص من الهمبرغر أحياناً.
للعارفين أقول، عندما كنا أطفالاً كانت والدتي رحمها الله تقول: «تشوفون الوهي (أي حرارة القيض) والشمس الحامية على رؤوسكم. هذي من الطبيعة ومن يوم الله خلقنا وشفنا الدنيا. لجل ذلك سووا معروف حوز ما ترومون لأن المعروف شرات الظلة اللي يستظل بها الإنسان وقد ما يكثر الظليل تخف الوهية»، بعيداً عن الهواتف الذكية أكسبنا أهلنا معرفة وقيماً عكست مفهومهم للحياة وبفضل الهواتف الذكية عندما يساء استخدامها أصبحنا عندما نتحدث مع الجيل الجديد يقولون لنا: «أعرف أعرف. والله أعرف وحتى لو ما أعرفه بسأل ربيعي أو بدور عليه في غوغل قوقل جوجل» والباقي عندكم!