لم يكن سفيان البقالي المتوج بطوكيو ملكاً جديداً، على مسابقة 3000 متر موانع، قد تجاوز الثامنة من عمره، عندما انضم العداء المغربي والعربي هشام القروج لأساطير ألعاب القوى العالمية، وهو يحقق بدورة أثينا ذهبيتي 1500 و5000 متر.
وقف سفيان مثل الآلاف من أقرانه الأطفال معجباً ومبهوراً بالإنجاز الرائع لهشام، ولعله تأثر مثلهم للدموع التي ذرفها هشام ساخنة من مقلتيه، وهو يقف على منصة التتويج يستمع للنشيد المغربي يعزف بالملعب الأولمبي لأثينا، لقد ثأر هشام في تلك السنة لنفسه ولخيبته في دورتين أولمبيتين قبلها، مرة، وهو يسقط في السباق النهائي لدورة أتلانتا سنة 1996، وأخرى عندما باغته الكيني نواه نجيني في العشرة أمتار الأخيرة، فخطف منه ذهبية 1500 متر في أولمبياد سيدني عام 2000.
لم يكن سفيان البقالي، قد تخلص وقتها من جاذبية كرة القدم معشوقة كل الأطفال، إلا أنه عندما اختار ألعاب القوى رياضة لتربية الشغف وعشاً لتفريخ الحلم الكبير، اختار أجمل وأقوى وأبدع ما في سباقاتها، سباق 1500 متر الذي كان سادته، لعقود من الزمن، عدائين عرب. إلا أنه بتوصية من مدربه كريم التلمساني الذي يمثل له الأب الروحي والإنسان الملهم، سيتحول سفيان البقالي إلى سباق 3000 متر موانع، مستفيداً من طوله الفارع ومن رشاقته في تخطي الحواجز.
هل اختار سفيان أصعب ما في ألعاب القوى؟
بالتأكيد نعم، فهذه المسابقة بطول مسافتها وبموانعها وبركها المائية، تحتاج إلى عدائين بمواصفات فنية وفسيولوجية، بدا وكأنها لا تتوفر إلا للعدائين الكينيين وبعدهم الإثيوبيون، كما أنها مسابقة محتكرة من العدائين الكينيين، فذهبها لا يلمع إلا على صدورهم منذ أولمبياد موسكو 1980.
قدم البقالي وقد اشتد عوده وكبر طموحه واستأنس كثيراً بالمضامير العالمية، إشارات قوية على أنه يستطيع أن يزاحم الكينيين والإثيوبيين على ميداليات السباق، ودلت على ذلك فضيته في بطولة العالم بلندن سنة 2017 وبرونزيته في مونديال الدوحة 2019، إلا أن لا أحد غير سفيان كان يثق بأن ذهبه سيلمع بطوكيو.
اشتغل سفيان على سرعته النهائية، كما لم يفعل من قبل، هيأ نفسه لدخول مطحنة السباق، من دون أن تفرمه المراوح الكينية والإثيوبية، واستظهر عن ظهر قلب عشرات السيناريوهات، وتمنى أن يكون السباق النهائي نسخة طبق الأصل من الحبكة التكتيكية التي وضعها بمعية مدربه.
وهكذا كان، فقد جاء السباق النهائي كما تشتهيه سفن سفيان، وكانت كلمة السر هي أن يصل بركة الماء الأخيرة، وهو بأتم جاهزية بدنية، ليحرق العدائين الكينيين والإثيوبيين بسرعته النهائية، ويُعلن على الملأ بطلاً أولمبياً، وهو في سن الخامسة والعشرين، ويذرف نفس دموع الفرح التي ذرفها قدوته وملهمه هشام القروج قبل 17 سنة بأثينا، وقد أصبح للكينيين أكبر مانع.