لم نستغرب اتّهام المدعو راشد الغنّوشي الإمارات بأنها تقف وراء ما أسماه «انقلابــاً حدث في تونس»، ذلك لأننا ندرك «سلوك الإخوان» كجماعة براغماتية ورثت الخداع، ودرجت على قلب الحقائق والقفز على الأحداث، ووقفنا على عنفها الحقيقي كتنظيم يدمغ التآمر مساره السياسي، وبين هذا وذلك الخيانات المستمرة للأوطان وأهلها.
الأمر الوحيد الذي نستغربه هنا هو أن «الجماعة» لم تقتنع حتى الآن بأن الشعوب العربية تغيّرت بعد «ربيع الفوضى»، واستوعبت الدرس جيداً، ولم يعد من الممكن خداعها تحت أي شعارات أو دعاوى.
أمور كثيرة تناساها المدعو الغنوشي، أهمها أن الرئيس التونسي هو بالأساس خبير في القانون الدستوري، وأن القرارات الأخيرة التي أصدرها تمت وفق دستور وضعته «حركة النهضة» نفسها.
كما تناسى الغنوشي أن عين الشارع التّونسي أصبحت أكثر اتّساعاً، وأنه يردد اليوم المقولة الشهيرة: «لقد هرِمنا»، لكن في سياق آخر هذه المرة، بعد عشر سنوات كادت أن تبعث «بوعزيزي» آخر أنهكه  الإحباط والفساد واستشراء النفوذ، وارتفاع الأسعار وفشل المنظومة الصحية، والأدهى من ذلك كله استغلال البلاد في خدمة أهداف «تنظيم دولي» لا تهمّه تونس ولا التونسيون، ولا يؤمن بالدولة الوطنية أو قيمها.
وللغنوشي نقول: هل الإمارات هي من أفشلت المنظومة الصحية في البلاد؟ أو جعلت للمحسوبية سوقاً رائجة في دهاليز جماعتك؟ وهل هي المسؤولة عن «المهازل» و«البلطجة السياسية» التي يمارسها نواب في برلمان تترأسه؟ وهل نحن من أنشأ أجهزة سرية وظيفتها القيام بجرائم ضد التونسيين الأبرياء، وهل نحن من أراد للقرار التونسي أن يرتهن لدويلات مصابة بـ«وهم الدور» أو مراكز إقليمية ما زالت ترى في التطرف ورقة قابلة للتداول، وتمارس خطابات التحريض على الكراهية والإرهاب كنوع من أنواع «التعبير السياسي»؟.
بدلاً من اتهاماته وأحاديثه الهزلية لوسائل الإعلام، كنّا نودّ أن ينكفئ الغنوشي ورفاقه على معالجة الملفات الداخلية، أو أن يعتذر عن جرائم حركته ضد التونسيين ويرحل، لكننا ندرك أن من تهون عليه بلاده لا تردعه أخلاق ولا دين.