نعيش في عالم تستباح فيه نفوسنا بشكل مفرط، فتتلقى الكثير من السوء طوال الوقت، خصوصاً عبر ما يصلنا من الإعلام على الصعيد العالمي، وهو ما يجعل الإنسان -جبراً- يشعر بالظلم، سواء لكون هذا السوء ممتداً إليه بلا أي ذنب منه، أو لكونه غير قادر على تغيير ما يحدث. 
وبين هذا وذاك، يتولد لدى الكثيرين منا شعور الضحية الذي ينعكس بشكل أو بآخر على من يتعاملون معنا، خصوصاً أولئك الموجودون في الحلقة الأضعف في دائرة محيطنا، أولئك الذين سيتحولون إلى ضحايا بدورهم يعانون من جلاد!
الضحية.. والجلاد الذي هو في الأساس ضحية، إنها متتالية من العنف والعنف المضاد، عنف في الرد على العنف.. وهكذا دواليك. خلال تلك العمليات المتتابعة لأي مراقب جاد ومتمكن من تأريخ الحالة، لن يجد أي اختلاف سوى في درجة العنف وشكل العنف المستخدم ومدى قبوله مجتمعياً، حسب إمكانات وقدرات الفاعل المادية أو حتى الثقافية، ومدى توافق أفعاله مع آخرين تتشابه مصالحهم معه.
‏ولأنه الفاعل تعرض لشكل من العنف في وقت سابق، سيرد على ذلك في وقت لاحق، ولكن بشكل مختلف لا يشترط فيه أن يكون بنفس مادة القوة التي استخدمت ضده، ولذلك يصعب تصور أبعادها، فهي تداعيات تحدث حالة سوء تدفع الإنسان للتواجد في دائرة ما يسمى بالعنف البنيوي، وهو يختلف عن العنف الجسدي المباشر الذي يخلف الندوب الخارجية. 
في العنف البنيوي يتعرض الإنسان لحالات من التوتر والقلق الوجودي والشعور بالاغتراب والكبت، مما يخل بتوازنه، ومع الوقت يصبح الأمر يفوق القدرة على التحمل، فتكون النتيجة إفراغ هذا الشعور عبر تصديره للآخر، ليتمكن من استعادة توازنه النفسي. ولكن ما يحدث في المقابل أن من سيتلقى هذا العنف سيواجه حالة من اختلال التوازن النفسي، وسيصل لدرجة من عدم التحمل لدرجة ستدفعه كذلك لتصدير العنف.. وهكذا من جديد تستمر الدوامة في الدوران بين الضحية والجلاد الذي كان في فترة سابقة ضحية، فتزداد سرعة دوران الدوامة لتجذب إليها أعداداً أكبر من الضحايا والجلادين الضحايا!