كل المسافات طرق امتداد للتفكير والتمحيص في الوصول إلى الغايات والأهداف، نقطة للبدء والرحيل بعيداً والسير خلف الهدف الذي يسكن في نهاية الطريق إن كان له نهاية، أو أنه حلم يأتي، ثم يغيب في المدى البعيد!
كم من المسافات والدروب التي تمر بك وما تزال قاطعاً طريقك ومتعباً خطواتك، قد يتعب الطريق ولا تصل، قد تتداخل المسافات والدروب وما تزال تمد الخطى إلى لا نهاية، كم من الأحلام تسقط أو تتحقق ولكن لا ينتهي الطريق.
تقطع الدروب والسباخ والوديان والسيوح وما تزال الخطى تتبع السديم، تلاحق أحلاماً تتساقط واحداً إثر واحد، تتباعد وتتشابك مثل هذه الحياة التي تدور بك حسب قدرك وحظك ضمن دورانها، تخاتل الوقت يخاتلك، قد تهزمه أو يهزمك، ولكن لا يتعب الطريق ولا المسافات تتبدل، وحدها العزيمة والإصرار ومد الخطوات من دون عدها أو التفكير في التوقف عن المسير، ستأخذك الطرق وتمتد مسيرتك، فقط توكل على ربك وشد عزيمتك ولا تبالِ بالصعاب والموانع، العمر رحلة وأنت وادٍ منهمر في السيوح والبطحاء ومجرى الأنهار والشعاب والوديان.
بالأمس كنت أقطع الطريق بين امتداد سيح طويل بعد منطقة المدام وصولاً إلى عمق الجبال نحو المناطق الداخلية شوكة والمنيعي وحتا، في مسافة الطريق بعد هذه المنطقة مباشرة تنبسط الأرض تماماً وتزينها أشجار السمر على مسافات كبيرة، وتزيدها جمالاً تربة بلون الذهب، الأشجار تقف على رقعة كبيرة من الأرض والطريق، في هذه المسافة تأتي الهبوب لتغير شكل الطريق، تحمل ذلك الذهب الأحمر من التربة وتنثره في الفضاء حتى يتحول طريقك إلى اللون البني أو الذهبي. لا تتبين الطريق ويجبرك ذلك الظرف الغريب أن تبطئ المسير وتراقب ما يحيط بك من جمال أشجار السمر التي تملأ السيح، وأشجار تقف شامخة وكأنها وجدت لتزين هذه الأرض الممتدة حتى بدء طريق الجبال، جمال بديع ولوحة تصنعها الطبيعة لفرحك وسعادتك في أرض تزهو بالتنوع البيئي.
للمسافات في الإمارات أسماء دالة، لا تحتاج كثيراً من الشرح عند أهلها، وكثيراً ما تدخل في التوصيف وتمرير المعاني عند النعت أو القول أو حتى الوصول إلى الغايات الخاصة والعامة، فأنت الغيث والوادي إن أجزلت الحب والعطاء، وأيضاً أنت كالمر والصبر والقحط أو السباخ إن لم تكن ذلك الذي يرجى منه الخير أو العطف أو العطاء، أنت جزيل في السخايا والعطايات ووجه مضيء للخير كالبطحاء إن تبسم ثغرك وأطلقت يدك وفاض خيرك وعطاياك وودك وحبك للجميع، إنها البيئة وجمال توحدها بين اللغة وواقع الحال.
الإمارات جميلة بهذا التنوع البيئي الذي يحيط بأرضها شرقاً وغرباً وكل الجهات الأربع..كان له كوخ على خور غناظة عند تباكير الصباح وانبلاج الفجر يدفع «بانوشه» الصغير ويعبر البحر والخور يعاين شباكه «اليخ» يحمل ما أعطاه الله ويعود، يتأمل أشجار القرم ويحب أرضه أكثر وأكثر.