بعد صلاة الفجر تخطفنا الخطى فنمشي أنا وأختي زبيدة في ربوع ند الشبا، ولنا في كل صباح قصة مع الثعالب والغزلان والأرانب والقطا والصفارد والغربان والحلج والجعران، وغيرها من الدواب التي ألفنا وجودها في بيئتنا. وكم من مرة استذكرنا كيف كان في زاوية بيت جدتي «زرب»، وكيف كنا نعتني بالحيوانات فنسرحها في الصباح وتضوي من تلقاء نفسها قبل أذان المغرب. لقد نشأنا على بيئة نرى ونلاحظ ونحافظ على كل صغيرة وكبيرة تخصها، ومن هذه البيئة وما تحتويه من عناصر طبيعية تمكن الشعراء والرسامين من تسخير قريحتهم للإبداع والابتكار، فهناك أبيات شعر ومقولات وحكم ومواعظ أساسها البيئة. وكم سعدت عند اطلاعي على الموقع الرسمي لحديقة العين، التي أكدت ربط الموروث الشعبي بالتراث الطبيعي، إن وجود الحديقة يعكس إرادة المغفور له الشيخ زايد «طيب الله ثراه»، ويحاكي ورؤيته البيئيّة السبّاقة، وحرصه على نشر المعرفة بعمق الموروث الثقافيّ، والتاريخيّ، والبيئيّ. وفي نظرة خاطفة للماضي تتجسد لنا الجهود الجبارة والمبادرات الاستثنائية التي أطلقها الباني المؤسس الشيخ زايد فأسهمت في محاربة التصحر وصون أنماط الحياة البريّة الصحراويّة والجبلية والبحرية التي تتمتّعُ بها مناطق الدولة وتضاريسها المختلفة، وقد أدرك -طيب الله ثراه- أهمية التوازن البيئي الذي يعكس أصالة الموروث وقيمته الحقيقية في ترسيخ الولاء والوفاء والانتماء، وتعزيز الهوية الوطنية بما يتماشى مع ووتيرة تطوّر الدولة.
لقد ارتبط مفهوم التراث بالأرض التي جمعتنا في بيئة أمنٍ وسلام، فاحترامنا لها يأتي من ثقافة رد الجميل والحرص على الاستمراريّة، وهكذا تعاملت القيادة الحكيمة مع شجرة الغاف كرمزٍ للتسامح، ومع الصقور فخصصت لها مهرجان البيزرة العالمي، وللجمل لرؤية جمالياته، والرطب في موسمه، والتراث الذي يرصد كل شيء مستمد من الطبيعة وصفاتها. لقد أصبحت دولتنا من الدول السباقة في حرب المخلفات الكربونية، ولا نستغرب أن تدار شؤون الدولة والفرد من هاتفٍ ذكي يلبي جميع متطلباته من دون عواقب تؤثر على البيئة.
للعارفين أقول: إن سرنا في دروب الذاكرة أو نظرنا إلى واقعنا أو استطلعنا المستقبل لن نقول سوي أن الله أكرمنا بقيادة سارت على نهج الباني المؤسس، الذي ندعو الله أن يرحمه بواسع رحمته، وأن يحفظ بلادنا من كل شر ومكروه، وأن يديم علينا نعمة بيئة التسامح، التي نتشارك فيها الحياة مع مخلوقات الله جل جلاله.