عندما قامت الثورة الفرنسية في العام 1789م كانت البداية من أجل التقدم، ومن أجل الخروج من صندوق الأفكار المسبقة كما قال فيلسوف الطبيعة جان جاك روسو كان الهدف تحويل فرنسا مونتسكيو إلى بلد حر، منفتح على العالم من دون أغشية ولا ملاءات رثة، ولا معاطف كثة، ولا قبعات تمنع حدوث العلاقة الحميمة ما بين جمجمة الرأس، وأشعة الشمس، أو حتى الغيمة المظللة. لا يحدث التقدم من تلقاء نفسه، ولا بالصدفة، لأنه حتى الصدفة هي نتيجة لالتقاء سلسلتين من الحتمية، فكل فعل لا بد من ردة فعل مساوية له في القوة، مناقضة له في الاتجاه. هذا ما يحدث في العالم الذي اتخذ طريقه نحو التقدم، ونحو غرفة جديدة مؤثثة بأحلام زاهية، ورخية، هذا ما يحدث في العالم الذي أراد أن يغادر المستنقع، ليسكن بالقرب من واحة، فيها تغرد الطيور، وعلى ضفافها تزدهر أكتاف الورد، وتزهو أكمامها بألوان الفرح، والظفر.
اليوم تبدو الإمارات في الوجود حالة استثنائية، حيث تمسك بزمام الفكرة، وتقودها نحو انفتاح مبهر، وعند كل محطة، تبدو المحطة التالية مثل أشعة الشمس حين طلوعها من بين ضلوع الكون، وعند كل فكرة تتجلى فكرة أخرى، تعزز بناء الفكرة التي سبقتها، ولهذا نجد الإمارات خلال ثلاثة عقود تقريباً، وثبت نحو فضاءات، ما كان ليصل إليها الآخرون حتى بعد قرون، لأن الفارق بين الإمارات وغيرها، هو فارق الإرادة، كما هو فارق الفكرة.
لعلنا نلاحظ جيداً ما يحدث في مواجهتنا للظواهر، والمستجدات العصيبة، والتي تصبح درساً مفيداً لنا، في التحول من راهن، إلى زمن آت، هذا الواقع لا يحدث في كل البلدان بل هو ماركة مسجلة للإمارات، لأن لديها عقلاً مميزاً، وعزيمة فريدة، وقبل كل شيء، لدى الإمارات قلب محب للحياة، متفائل دوماً، منفتح على الحياة كأنه النهر، وكأنه الزهرة البرية وهي تفتح أكمامها للنسيم كي يتعانق مع البراءة، كي يختزل الزمن في لحظة اشتياق إلى القبلة.
هذه هي الإمارات، تنمو مثل الحلم في عيني جواد أصيل، وترتقي مثل الغصن، وتلمع مثل النجمة في أحشاء السماء، تستدير حول الرونق الجميل مثل خصر حسناء، وتمضي في الحب إلى ذروة الرخاء، تمضي في الفرح إلى أقاصي البذخ.
هذه هي الإمارات، درس العالم، وموعظته، وعبرته.