للزمن يدان وقدمان، فلنتخيل كيف نتقدم نحن صوبه، وكيف يلاقينا في منتصف الطريق ليحيينا، ويحتفي بنا، ويحتفل بمنجزاتنا، ويقول لنا هيا نمضي معاً، لأجل كون يتمتع ببياض السجية، ورفعة القيمة، واتساع حدقة الطموح، وشفافية البلورة التي تسكن في الوجدان. ليس هذا مجرد خيال صرف، بل هو طبيعة الحياة، فإنها لا تعطي إلا من يعطيها، ولا تحترم إلا من يقدر معطياتها له، ولا تبتسم إلا لمن يؤكد أنه جدير بأن يعيش
وأن يستمر في الحياة وهو يقطن قلب الوجود، ويؤكد مقولة الفيلسوف الألماني مارتن هايدجر (الإنسان راعي الكون) هذه التماسة ملساء من جبين فلسفة وجودية أسست في العالم فكرة مختلفة تماماً عن الأفكار التي سبقتها، سواء في يسار الفكر أو يمينه وبدورها تتوسط الإمارات العالمين، في نهجها القويم، وفي معطاها المخضب بالنعيم، وبوحها المنعم بأشواق الطير، وأحلام الموجة، وسرد الأغصان، الإمارات في رهان الذهاب
إلى المستقبل، لا تكسر العصي وإنما تجمعها لتكون عصى سميكة، بعافية الينوع، الإمارات في الحياة، لا تبقي ولا تذر من إمكانيات من أجل أن تصنع للمستقبل ظلاً يستظل به يوم لا ظل إلا ظل الذين ينقشون على لوحة الحياة، وجه الفرح، ويزخرفون
الوجدان الإنساني بفسيفساء التفاؤل، وفي أقصى حالات التعب، تبدو الإمارات بتلات وردة برية، تتفتح صفحاتها للتاريخ، كي يسجل حضور الذين يحبون الحياة، ويدفع بالتي هي أحسن نحو الذين يجعلون من الأمل قارب سفر، به يخوضون الأعماق، ويمخرون العباب، ولا يتوانون في جعل الموجة العالية، صهوة تحملهم إلى حيث يكمن النجاح، وحيث تسكن الحقيقة. لهذا السبب وحده، وطأت الإمارات فناء الظفر، وحققت الأمنيات
العظيمة، وأنجزت مشاريعها من دون ضعف أو هوان، لهذا السبب، صعدت الإمارات المرتفع الشاهق، وتربعت هناك، ترفل بالاطنئنان، والأمان، تنظر إلى الأفق، وتتأمل المشهد بثقة، وثبات، كأنها السدرة في البيت القديم، كأنها الغافة تغرف من صبرها بسالة قوة كأنها النخلة تهيم وجداً بتغاريد الطير، فتضم أكمامها تحت أجنحة سعفاتها، وتغني للوجود، وترفع النشيد عالياً، وتفصح عن قوة كامنة، مبعثها إرث رسخه السالفون، 
ليتداوله اللاحقون، والسفينة تجري، والشراع مفرود، والعزيمة تتشرب من الموجة بداهتها وشجاعتها، وصلابتها، وقدرتها على مواجهة الأضداد.