من أغرب المشاعر الإنسانية الطبيعية، مشاعر الخوف.. فهي وراء كل ممارسات البشر غير السوية.. والسوية أيضاً!، يكذب بعضهم خوفاً على نفسه من العقوبة، يسرق آخرون خوفاً من الحاجة والفقر، يحقد هذا خوفاً من تميز الآخر عليه، يتسلط ذاك خوفاً على نفوذه ومكانته بين الآخرين، ويغتر ذاك خوفاً من الاستخفاف به، يتصرفون بأنانية خوفاً من الفقد.. وهكذا. 
المثير أيضاً، أن الخوف وراء معظم التصرفات الإنسانية الخيرة، نرغب في الرفقة ونخاف الوحدة، نتعاون مع الآخرين لأننا نخاف ألا نستطيع وحدنا إنجاز الأشياء، لا نقوم بأشياء سيئة خوفاً من نقد الآخرين.. وقس على ذلك، ورغم كل ذلك يعد الخوف ركناً أساسياً لاستمرار جنسنا البشري والحفاظ على نوعنا وسلامة أجسادنا، فحسب العلم، فإن بقاء الكائن البشري حياً طوال تلك العصور يعود في سببه الرئيس إلى خوف الإنسان على حياته، ‏ونتيجة لذلك -وعبر أجيال وأجيال- طوع بيئته وظروفه بشكل أفضل ليتمكن من العيش والاستمرار، فقد خاف الإنسان باستمرار من التغيرات الطبيعية، فهرب من مناطق البراكين وطوع بيئة الزلازل وتفادى حدوث الفيضانات خوفاً على سلامة مكانه وبدنه، وليس هذا فحسب، بل ورَّث جينة الحذر لأبنائه، لتصبح صفة طبيعية لا يلزمها المرور بتجربة كاملة لاستدعائها.
في الحرب أيضاً، للخوف صولات وجولات، في كتاب 33 استراتيجية للحرب، يذكر «روبرت غرين» في آخر كتابه، وهي بالمناسبة رقم (33) رد الفعل المتسلسل، يدعو فيها إلى شل إرادة الخصم، ومنعه من فرص المقاومة، وتدمير قدرته على التخطيط الاستراتيجي، وذلك عبر إثارة خوفه، فلنتخيل قدرة الخوف على فعل كل هذا في أي حرب من دون تحريك جندي واحد!. يقول «غرين» إن للخوف وانتشار الذعر قدرة على خلق أكبر قدر ممكن من الفوضى، واستفزاز العدو، ودفعه للقيام بردات فعل بائسة تضعفه وتُسهل عملية اقتناصه.
بالفعل، للخوف قدرات هائلة في تحريك أمور لا يمكن لنا تخيلها، وعلى ما يبدو، أن البشر، وخصوصاً في عصرنا الحالي المشبع بالماديات، لا يتوقفون كثيراً أمام هذه الطبيعة النفسية، ويعبرون عليها غير مبالين بأهميتها في كشف وتحريك كثير من طباعنا وسلوكياتنا، ولذلك، تعد العقلانية والتريث خط دفاع أول في أي معركة، سواء كانت معركة مع المحيط الطبيعي أو الأسري أو الوظيفي.. بل وحتى في علاقات الحب. 
عندما نخاف (لأن ذلك يجب أن يحدث) علينا أن نبرمج أنفسنا بأن لا نهلع ونذعر، فلو حدث ذلك سنصبح سهلي الاختراق، وهذه البرمجة ليست وقتية في زمن حدوث التهديد، إنما في سلوك طويل يقدمه الإنسان لنفسه، ليكون مستعداً للفقد من دون خسارة، والهجر من دون وحدة، والخذلان من دون ألم.