استعانت الفرق المسرحية التي كانت تجوب المدن والقرى الإنجليزية لعرض أعمالها في منتصف القرن الماضي بحماية خاصة طوال رحلاتها لضمان سلامة الممثلين، وخصوصاً أولئك الذين يقومون بدور الأشرار خوفاً عليهم من غضب الناس، الذين كانوا لا يتوانون في الانتقام منهم لما فعلوه من شرور في المسرحية. وفي المقابل كان للممثلين الذين يقومون بأدوار من الطيبة والفروسية تقدير خاص وترحاب من أهالي تلك القرى، كما أن أحد الأسباب التي جعلت المجتمع يقبل بمهنة المشخصاتي بعد أن كانت محل استخفاف وتحقير وعدم قبول، ما كان يورده أصحابها من حجج لدفع المجتمع لقبول المهنة، هو ذلك الدور الذي يلعبه الممثل الطيب أو الحكيم في توعية الناس والرسالة الإنسانية التي كان يقدمها عبر أدواره!
لم تعد الأمور كما كانت، لقد أصبحت الأمور في الحياة في غاية التعقيد، بسبب تشويه أصاب المؤثرات التي كانت ولزمن فاعلة في تكوين مداركنا، ومنها على سبيل المثال الدراما التلفزيونية، فقد يجتمع الخير والشر بمقادير متباينة في موقف واحد أو شخص واحد وهذا واقع إنساني لا يمكن إنكاره، غير أن هذا يجب أن لا يختلط إطلاقاً مع أهمية أن يكون لدينا الحدس والمنطق والمعرفة اللازمة للتمييز بين الفعل الخيِّر والشرير، وهي معرفة مكتسبة من التربية والتعليم والمنطق ومنظومة القيم التي اتفق عليها المجتمع اعتماداً على الدين الذي يرتبط به والتقاليد التي توارثها. 
أما ما يحدث الآن، وعلى مرأى من الجميع ومباركته واحتفاء الإعلام ووسائله به، فهو ما يخالف الطبيعة، فأن يُمجد الشر ويهاجم الخير ويحتفى بأفعال الإيذاء والتخريب، بينما سلوكيات النبل والحكمة والطيبة تُحقر ويستخف بها، لهو أمر معاكس لناموس الكون.
يحدث هذا الخلط والتمييع بتعمد مطلق في الدراما، أحد أركان الإعلام الذي أصبح منذ عقود أحد مقومات التربية والتعليم بجانب المنزل والمدرسة والمؤسسة الدينية، إذ تقوم هذه الدراما على تقديم شخصيات رئيسة لامعة وقوية، ولكنها مربكة محيرة أمام المتلقي بشكل فج ومفرط طوال الوقت، وبطرق مباشرة وضمنية في الكثير من الصور التي نتجرعها على مختلف أشكالها. 
يقوم البطل بالسرقة والقتل والنهب ويحصل على الثناء والتعاطف لشجاعته ولخفة ظله أو لوسامته، بينما من يمثل الشرطي الذي من المفترض أنه يحقق العدالة يكون محل استهجان وكره لغلظته ودمامته! فتجد الكبار قبل الأطفال يتمنون أن لا يقبض على النصاب أو المحرم وأن يبقى طليقاً! هذا التمييع المستمر لنماذج الشخوص التي على الإنسان أن يتعامل معها في محيطه، يربك بلا شك منظومتنا القيمية، خصوصاً أطفالنا الذين لم يعودوا يميزون بوضوح أين عليهم أن يوجهوا عواطفهم، ومتى عليهم أن يأخذوا مواقف تجاه بعض الأفعال عندما يتحتم عليهم الفعل، وهو الأمر الذي سيجرّ بالتأكيد تداعيات أخرى على صعد كثيرة.‏. لا ندري حدودها.