منذ أن نفتح أعيننا صباحاً، وحتى قبل أن ننهض من الفراش، تمتد يدنا إلى التلفون الجوال، أو ما نسمّيه «الموبايل»، لنعرف من اتصل بنا أثناء نومنا، رغم أني شخصياً تعودت قفل صوته قبل نومي حتى لا يزعجني رنينه، ثم نقرأ كل الأخبار التي تبثها مواقع الاتصال الاجتماعي، ومواقع الصحف الإلكترونية التي أصبحت تنشر الأخبار والمقالات والترويج والإعلانات التي كانت تنشره الصحافة عادة في صفحاتها الورقية. 
وننتقل في قراءتنا لكل شيء، ونحن نتثاءب قبل النهوض من الفراش، وحتى عندما ندخل الحمام للاستحمام، نضع الجوال المحمول في زاوية من الحمام، أما إذا كان الدخول للاغتسال البسيط فإننا نحمل الجوال معنا كي لا يفوتنا أي اتصال أوخبر، ثم نذهب إلى غرفة الطعام لتناول الإفطار، ونضع «الموبايل» أمامنا كقيد في رقابنا، أو سوار في يدنا، ونتابع القراءة والاتصالات. 
وبينما نمضغ طعامنا ورؤوسنا منحنية على شاشة الموبايل تمضغنا أخبار العالم وأشكال الدمار التي تسببها الحروب وسلطة كورونا، في نفس الوقت الذي نمضغ فيه طعامنا، هذا الفيروس الذي استفحل بالبشر في كل أنحاء العالم كحرب عالمية، لا ندرك متى سينتهي ليعم السلام، لكن لم يعد هذا البلاء هو الذي يحاصرنا منذ يقظتنا حتى غفوتنا القلقة التي أصبحت الأحلام فيها تهاويم وأشباحاً توقظنا، وتجعلنا نتقلب على فراشنا يميناً ويساراً رغبة في الهدوء والاستغراق في نومنا، بل ليست لعنة المحمول هي التي تحاصرنا ليلاً ونهاراً، ونحن داخل بيوتنا فقط، بل إننا حين نحتاج إلى الخروج من البيت لغرض ما، كشراء أمتعة من متجر ما، أو للترفيه عن أنفسنا وكسر العزلة التي فرضها هذا الفيروس المستبد، بالذهاب إلى شاطئ البحر أو حديقة قريبة، أو لأي غاية ما، علينا قبل ركوب السيارة أن نرتدي الأقنعة، والقفازات، استسلاماً لقوانين الحضر، لكن قبل هذا وهذا لا بد ألا ننسى حمل التلفون المحمول معنا، ورغم حظر استعماله أثناء القيادة، إلا أننا نتخفى بوضعه إلى جانبنا وتوصيله عبر سلك خفي إلى سمعنا، هكذا أصبحنا نعيش في حصار وباءين، في البيت التلفون المحمول، وشاشات الآيباد، والكمبيوتر بقنواته التي تبث صور الحروب وأخبار الدمار، بل حتى أداء الوظائف في مكتب ما أصبحت بسبب (كوفيد-19) تتم عبر «أونلاين»، والاجتماعات والمناسبات الثقافية أصبحت تتم عبر برنامج «زووم»..!، وخارج البيت التهديد بكورونا..!
يا إلهي.. متى سينحسر هذا الحصار، ومتى ستنكسر هذه القيود، وتعود حياتنا إلى طبيعتها المطمئنة بين البشر والكائنات والطبيعة؟.