«حدث في مثل هذا اليوم».. كنت من أشد المعجبين بهذه الطريقة للتعامل مع الزمن، على اعتبارها زاوية مختلفة للنظر للأحداث الكثيرة التي تمر على البشرية. وعادة ما كنت أحاول ربط الأحداث ببعضها بعضاً رغم تفاوت سنوات حدوثها التي قد تصل إلى قرون، لا يربط بينها ظاهرياً سوى تاريخ اليوم والشهر. لعبة مثيرة كانت توفر لي مقدمات مختلفة للمواضيع التي كنت أتناولها في الكتابة، وخصوصاً الأحداث السياسية، ولا سيما أن لهذه الأخيرة أجندة مميزة يرصدها التاريخ بحرص، وتحتفي بها الأمم بتقدير في أحيان كثيـرة واستنكار في أحوال أكثر. 
والحقيقة أن التاريخ قد يكون دوماً مختلفاً عن أي فرع آخر من فروع العلوم -الذي يبدو في ظاهره شيئاً يخص الماضي البعيد منقطع التأثير بلا جاذبية- وهو أكثر المواضيع المفتوحة غير القابلة للإغلاق بأي حال من الأحوال. إذ تبقى ذات تأثير مستمر وممتد إلى أبعد الحدود. صحيح أن تأثيرها قد يبدو خافتاً في أحيان وكأنه قد انتهى، غير أنه يعود ليبرق وبعنف من جديد في أحيان أخرى. إنه التناوب والتتابع المتتالي الذي هو جوهر التاريخ الإنساني وسيرورة الكون غير القابلة للتوقف.
استرجعت هذه الآلية وأنا أكتب مقال هذا الأسبوع بعد غيبة طويلة، ووجدت فيه طريقة مثيرة لإعادة قلمي للصفحة، بشكل يليق بالعالم الثقافي والسياسي. فمثلاً حدث أنه في مثل هذا اليوم منذ مائة وخمسة أعوام، وتحديداً في 16 مايو عام 1916، كان قد أُبرم اتفاق بين فرنسا والمملكة المتحدة لتحديد مناطق نفوذ كلتيهما في منطقة غرب آسيا (منطقتنا العربية) استباقاً لسقوط الدولة العثمانية التي كانت مسيطرة على أجزاء من المنطقة. وتعد هذه الاتفاقية -المعروفة باتفاقية سايكس بيكو- بداية التأسيس لشكل الحدود السياسية التي ما زالت قائمة وما تزال المنطقة تشهد أحياناً نقاط اشتعال بسببها. بالتأكيد هناك الكثير من الأحداث التي سجلها هذا التاريخ في سنوات عدة، والتي سيظل يذكرها ويعيدها، فلا شيء يُغلق، وخصوصاً في التاريخ.