خلال الأيام القليلة الماضية، حقق مقطع مصور أعلى نسب مشاهدة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقد كان لسيدة مصرية تعمل بائعة للخضار على رصيف أحد شوارع مدينتها، ظهرت في برنامج خيري لمساعدة المحتاجين يطرح سؤالاً بسيطاً يسهل الإجابة عليه، ليقدم المكافأة المالية للمستهدف أو المستهدفة في الحلقة. حظيت السيدة بإعجاب كبير وواسع النطاق لبساطتها وهي ترفض للوهلة الأولى المال المقدم، ليطمئن قلبها ما إذا كان «حلالاً»، وتستغرب الحصول عليه، لأنه كان «سهلاً» ولم تتعب لأجله.
أكبّر كل من شاهد ذلك المقطع روح وضمير هذه السيدة البسيطة، ووجود أمثالها في زمن صعب، تغيب فيه مثل هذه الروح القلقة والنظرة للمال، واستسهال الحصول عليه دون بذل أي جهد، بل والتفنن في الاستيلاء عليه بلا وجه حق. لقطة ومعان ودروس من إنسانة بسيطة لا يستوعبها أولئك الذين يستبيحون أموال غيرهم، سواء أكان ذلك غير القريب من العائلة أو فرداً في المجتمع أو جهة رسمية، كالوظيفة العامة التي يتم استغلالها للتربح والإثراء.
الذين امتهنوا استباحة أموال الآخرين بمختلف صور وأشكال الاستباحة ينظرون لمثل تلك السيدة وغيرها من الشرفاء البسطاء، كما لو أنهم من كوكب آخر، بل يستغربون وجودهم أصلاً!. لأنهم لم يعتادوا رؤية النماذج الطيبة، فمحترفو جمع المال السهل في أبراجهم بعيدون عن نطاق رؤية الفريق الأول، بعد أن تحولت حياتهم لحالة من اللهاث لمراكمة الأرقام والمال المتوالد بمختلف الطرق والأساليب التي لا تعترف بالقيم التي تربت عليها، وتؤمن بها تلك المرأة البسيطة التي تصارع الحياة لتربية أبنائها.
صور استباحة أموال الآخرين تمتد نحو دوائر أصغر، مثل الموظف الذي يقيم الدنيا ولا يقعدها ليضمن إدراج اسمه في قوائم المكافآت، وهو أول العارفين بأنه لم يقدم ما يستحق عليه مقابلاً. وقس على ذلك أموراً جمة لا ترصدها اللوائح والأنظمة طالما النفوس خربة والبصائر مشوشة.
صعوبات الحياة وتعقيدات المعيشة وإيقاع العصر أوجدت أرضاً خصبة لنمو تلك الطحالب التي تعمل على إفساد القيم والقناعات الجميلة التي تربت عليها الأجيال بتزيين الحصول على المال السهل بطرق مختلفة واعتباره «شطارة» وذكاءً و«مهارات عالية»، دون أن يدركوا أنه مقدمة لتقويض استقرار المجتمعات.
من هنا يتعاظم الاهتمام بالتنشئة الصحيحة للأجيال وتحصينها، تنشئة تركز على دور الوالدين والأسرة والمناهج التعليمية، انطلاقاً من قيمنا الإماراتية العربية الأصيلة في تمجيد قيمة العمل واحترام حقوق الآخرين.