هذا العام، مختلف عن كل الأعوام، وأجمل اختلافاته، أنه أبرز قدرة الإمارات الفائقة على تجاوز المحن، وكسر الصخور الصلبة، واكتساح العوائق بإرادة لها عظمة الغيمة ومهارة الموجة، وعبقرية القمر، وبلاغة النجوم، ونبوغ إنسان منذ أن بلغ سن التطلع إلى قمم الجبال، صارت له حرفة اسمها اختراق المستحيل، والولوج في قماشته بتحد، وصرامة وحزم، وجزم، ولا يمكن أن تتقوقع الإمارات، أو تتراجع، أو تمتنع عن المضي قدماً في كل المجالات، لأن القناعة راسخة بأن أبناء الإمارات قادرون على ترويض الصعاب، وتحييد الجوائح، وإزاحة الأشواك بعيداً عن الأقدام، وتوسيع الخطوات كلما انتصبت عائقة، وكلما ارتفع صوت عرقلة، هذه هي القيم، التي تشربها الإنسان هنا، وهذه هي المبادئ السامية التي تعلمها هذا الإنسان وسار على نهجها، واكتسى لونها وذائقتها.
معرض الكتاب الذي هو الرئة التي تتنفس من خلالها ثقافة الإمارات، وهي الاحتفال المميز الذي تشتعل شموعه كل عام، والحشد المظفر من عشاق الكلمة، هذا المعرض في دورته الثلاثين، يتوج ثلاثة عقود من الزمن تألقت فيها أبوظبي، وتأنقت، ونقشت على صفحات التاريخ إرثاً ثقافياً، له في وجدان المثقفين في الوطن والعالم، شامة، وعلامة، له بصمة الشرف التي تحلت بها العاصمة الجميلة، وتجلت من خلالها جوهرة تشع ببريق الإبداع، وموجة ترتب وجدان الناس بالشعر الأصيل، والحكاية المروية عبر سطور لا تخفي مدى ما للرواية من شأن يرتله كاتب أو كاتبة.
في هذا العالم ورغم ما تقذفه الجائحة من عصاب قهري زلزل أركان العالم، ولكن في بلد نجح في التعامل مع أشرس وباء، تبدو المواجهة ليست بتلك الصعوبة طالما تهيأت كل المؤسسات المعنية باتخاذ الإجراءات اللازمة، ونحن لدينا من الرجال المخلصين ما يمكننا عبور المناسبة بكل فرح.
معرض الكتاب حدث استثنائي في هذا العالم، ولكنه ليس فقيراً بمعانيه، أنه المائدة الزاخرة بالأنشطة الثقافية، من ندوات، ومحاضرات، وأمسيات، وغيرها، وسوف تزهر دور النشر بالكتب الجديدة، وأعتقد أنه المعرض الأكثر نجاحاً لأن نسبة التحدي أعظم، وفي بلادنا كلما كانت صخرة التحدي أكثر صلادة، كلما كانت الإرادة أكثر قوة، وصموداً، وتجلداً، لذلك فإن نسبة الفرح سوف تكون هي الأعلى منسوباً في تاريخ المعرض، كما أن نسبة الحضور ستكون أكثر بريقاً، لأن ما يجعل الأشياء لامعة هو ذلك التحدي وهو ذلك التصدي، وهو ذلك الامتداد في الأفق، والتوسع في بسط المشاعر، لتصبح كأنها المد الذي يزيح عن الكاهل اليباب، وعذاب الانتظار.