الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل، وأنا في انتظار وهمي لرنين تلفونك.. الوهم الذي يجعلني أسيرة للحلم بلقائك الذي يأسرني كأنه مولاي وسيدي، ودموع الحنان إلى لقائك تغرقني. أتشظى في غيابك بحمم اشتياقي إليك، وأختبل من استغراقي في تخيلك واستحضارك.
ما كان ينبغي أن تجافيني هكذا.. ما كان ينبغي أن لا أراك.. ما كان ينبغي أن يكون هذا الفراق الذي كائن الآن بيننا.. ما كان ينبغي لسلطة الميراث أن تكون كسيف يقطع قلوب الأشقاء والأحبة.
كنت بين شوق الحياة غلى لقياك نصف أحيا به، وبين مخافة الموت دون لقياك يؤرجحني، حتى بدا لي أن بين الموت والحياة خطوتين أتأرجح بينهما، كنت أنهض بكياني كله في بهائك وحضورك، وأتفتح كالورد والياسمين والثمار في بهجة الربيع، وها آنذا إذ تخاصميني انغلق كمواسم القحط، ها جسدي ينغلق دون احتضانك، وها أنا عاجزة عن تفسير أسباب هذا الجفاء. فقد كانت روحي وبهجتي وفرحي يشرئب حين لقائك، وكنت تعرفين كيف ينهض شغفي بحياتي وإبداعاتي التي تعرفين كم هي متعددة، حين يضيئني حضورك، وها أنها قد انغلقت علي كل منافذي بقسوة قطيعتك.. هل تعرفين أي حرائق من الحزن تذيبني، وأي رماد من الأسى يطوق مشاعري بسبب قسوة غيابك؟.
أنا لست أطالبك أن تكوني كما كنت لي شقيقة، لكنني أحتكم إليك، لا لكي تعاتبيني بل لأجد في حضنك طمأنينة الأخت المحبة، قلبي منغلق على توهم حضورك كطفل ينتفض بين ذراعيك بعد طول هذا الغياب، وها أن روحي تطوي جناحيها في انتظار لقائك، أي مجد وأي فداحة هذا الذي سنه الميراث، كنتُ كفرحة العشب حين تهطلين علي كمطر سخي، فأشب وتعتريني رعشة التكوين ودهشة الخلق والإبداع، وأستطرد في غواياتي كمن لا قبل له ولن يكون له بعد، كمن توضأ بالمحبة وأضاء الروح، كنا أنت وأنا شبيهتان في الصحو وفي اليقظة وفي الهدوء!
شئتُ نسيانك ونفيك من ذاكرتي لكي أستريح فلم أنس ولم أسترح!.
فأي جرح وحزن يتوغل في عمقي وتنزف به روحي وأدمعي، فأنوح بالشكوى لأن لجفوتك ما يبيح شكواي، هي المسافات تمتد وتتمطى بيننا وأنا أنطوي بحيرتي وعجزي، ألست أنت التي كنت لي مرفأ من الضياع والأوهام حين كنت أبحر في لجة الأمنيات العصية، كما قلت لي يوماً، وحين كانت أشرعتي فتاتاً من الأحلام تناثرت على جنون عواصفي وأهوائي؟ فأين أنت يا أختي الحبيبة!.