الخوف من التزحلق، والوقوع في الحفرة، الخوف من الزحزحة، والانزياح صوب الهامش الخوف من فقدان المواقع، هو السر، في سبر خوف القديم من الجديد.
منذ فجر التاريخ والإنسان يتشبث بقديمه، ويعلق به كما تعلق بقايا الطعام في قيعان القدور، لأنه ما من ثقة في القديم كي يصمد أمام الجديد، وكما أن للجديد بريقة، فإن للقديم قوة التصاقه بوجدان الناس، وتأثيره العنيف في الذاكرة، وهي المرتبطة دائماً بالماضي، والماضي يشكل الطفولة، وهي البداية التي تناقض النهاية، الأمر الذي يجعل هذا الصراع مستديماً وقوياً وأحياناً مدمراً، ولا نهاية له إلا بانتهاء الفكرة الأزلية، وهي أن القديم ضد الجديد، في حين أنه بطبيعة الحياة لا شيء يستقيم في قدمه، كما أنه لا شيء يستمر في حداثته، فجديد اليوم هو قديم الغد، وقديم الغد هو الحديث الذي من خلاله نقتفي أثر حداثتنا، فتاريخ الأشياء لعبة مزدوجة، نحن الذين ندير عجلتها، ونحن الذين نلون قماشتها، ونحن الذين نعمل جاهدين على تمزيق تلك القماشة، على اعتبار أنها وصلت منتهاها، ولا بد وأن تقذف في ماء النهر، ليتجلى لدينا الجديد اللافت، والمدهش، ولكن ما هو الجديد الذي لا يمكن أن يصاب بالقدم؟ إنه العقل، فإذا ما استطاع العقل أن يتخلص من أبعاد الزمن، وأن يضع قدميه في وعاء وحدة الزمن، كما هي وحدة الوجود، نستطيع أن ننتصر لأنفسنا، وأن نخرج من دوامة المتضادات، حيث لا يوجد في الواقع مضاد، وإنما هي وجوه تعكس وجهاً واحداً ولا تتوحد هذه الوجوه إلا عندما نحفظ ود المرايا، ولا نجعلها في حال التهشم.
ما يجعلنا نخاف، هو كتماننا الحب الذي وهبتنا إياه الطبيعة، لأنه من لم يكشف عن نفسه، لا يستطيع أن يحب، ومن لا يستطيع أن يحب يعيش أبد الدهر تعساً شقياً كما يذكر لنا سيرين كيركجارد.
إن استطعنا الانحياز إلى قوة الذات، نكون قد هزمنا الخوف، وأصبح الجديد ما هو إلا رافد من روافد النهر، وهو غصن من أغصان الشجرة، وهو موجة من أمواج البحر، المهم أن نمتلك طاقة التجديد من خلال القديم، لا أن نفصل أعضاء الجسد الواحد، ونقول هذه اليد تؤلمني، فيجب أن أقتلعها من جذورها، وما أن يحدث ذلك، أصبحنا نمضي في الحياة بيد واحدة، واليد الواحدة لا تصفق، ومن هنا نقول الخوف من وسائل التواصل الاجتماعي جاء من نقطة الصفر التي توقف عندها الآخرون، والذين عجزوا عن مواصلة الطريق بوسائل تضيف إلى القديم ما ينعش خاطره، وما يجعله حياً يرزق.