لن يأخذنا الفوز الودي لـ«الأبيض» على منتخب الهند بنصف دستة أهداف لحدود الهذيان، حتى نلبسه جلباباً فضفاضاً، ولن نفرط في التفاؤل فنتصور أن منتخب الإمارات قد بلغ نهاية نفق سار فيها لسنوات يتلمس ضوء الأمل الذي يطرد للأبد عتمة الظلام، ولكننا لن نبخس هذا الفوز حقه في أنه يمثل فاصلاً بين زمنين، زمن الوجع بفقدان الذاكرة وزمن الانتشاء بعودة هذه الذاكرة، وفي أنه يمثل مرجعاً نستطيع أن نتأسس عليه لنحيط بمساحات التطور لدى «الأبيض»، ولندرك أن المنتخب متى وجد أسلوب اللعب الذي يتطابق مع قدراته الفردية، متى كان لحظة فارقة في الزمن الكروي الآسيوي.
للأمانة وأنا أشاهد ودية «الأبيض» أمام الهند، شعرت بأننا عبرنا صحراء قاحلة، وبأننا انتقلنا على نحو مدهش من منتخب يتعذب بمناقضته لطبيعته الفنية إلى منتخب يستعيد توازنه وألقه ومتعة الحلم بما هو أفضل.
لا وجه للمقارنة بين ما شاهدته من «الأبيض» في مبارياته الأخيرة، حتى تلك التي لعبها أمام العراق، وما شاهدته في ودية الهند، فالفوارق كبيرة لدرجة أنه يصعب معها القياس، «الأبيض» الذي عاقب الهند على سذاجته الدفاعية وحتى على القصور الكبير في منسوب اللياقة البدنية، قدم بخاصة خلال الجولة الثانية الإرهاصات الأولى لميلاد أسلوب لعب حداثي، فيه الكثير من توابل كرة القدم العصرية، من دفاع ضاغط، واستحواذ إيجابي وسرعة الانتقال من الحالة الدفاعية إلى الحالة الهجومية، وتكريس جيد للنجاعة الهجومية التي ترتبط بسلاسة بناء الجمل التكتيكية وبالتمركز الجيد في منطقة المنافس.
أعرف أن هناك من سيقول إن الذي هزمه «الأبيض» بالستة، منتخب هندي ارتكب الكثير من الحماقات في إدارة المباراة وفي التعامل على الخصوص مع الانتشار الجيد للاعبي الإمارات، ولكن الرد على هؤلاء، يأتي من حقائق كثيرة، أولها أن «الأبيض» هو من ضعف المنافس الهندي بشبكة «الأوتوماتيزمات» الجماعية، بالضغط المتقدم وعلى الخصوص بجعل الاستحواذ إيجابياً، وثانيها أن ما كشف المنتخب الهندي عن عوراته الدفاعية، هو أن مبخوت وليما والأحبابي وفرسان الوسط أفرغوا الهنود من كل شحناتهم البدنية، ومتى خارت القوى البدنية تعطلت لغة الإبداع.
في النهاية لا غاية عندي لأن أقدس هذا الفوز الودي، ولكن ما شاهدته من «الأبيض» في ودية الهند يؤكد ما أنجزه مارفيك من تقدم في ورش بناء منظومة اللعب، بل ويجزم أن منتخب الإمارات قطع شوطاً بعيداً على درب التطابق مع إمكاناته، ويؤكد أيضاً أن انتظام دوري الخليج العربي واحتدام التنافس في نسخته الحالية بين قوى كروية حديثة، أنتج وفرة على مستوى اللاعبين الذين بمقدورهم أن يتلاءموا مع فكر مارفيك، والغاية هي الوصول للبطولة المجمعة بمنتخب له روح وله هوية ومتعطش للانتصارات.