الحياة حبل مشدود بين لا نهايتين، وهو ذلك الحلم المعبّق بإرادة واعية، وطموح يتكئ على قدرات فردية فائقة.
العشاق وحدهم الذين يذهبون بزورق الحياة نحو غمار وسبر وأغوار، العشاق وحدهم هم الذين يصنعون الأحلام من سبائك لا يبليها الدهر، ولا تفنيها عاقبة.
العشاق وحدهم الذين ينقشون الوردي على قماشة الحرير، وهم الذين يدوزنون النغمات على غرار ما تفعله الموجة، وما تشيعه النسمة في وجدان الشجر، وما تصيغه الوريقات الرهاف بين ثنايا الأغصان.
هكذا كان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، يهمس في آذان الصغار بالكلمات، ليلمس وجدانهم بأنامل اليقظة، ويتيح لهم رؤية العالم الداخلي من خلال قراءة الأحلام، وتقصي جذورها، والبحث عن جواهرها وهي تفتح حدقات الوعي، وتقرأ بريق النجوم، وتتحرى لمعة الأقمار، وتشير إلى أن الأطفال هم آباء الكبار، هم الدفاتر التي يكمن من خلالها تاريخ النشوء والارتقاء، الصغار هم قطرة الماء التي يتكون منها النهر، هم النبتة التي تنشأ من خلالها الشجرة، لذلك يضع سموه كل الجهد، وكل البذل، من أجل تنمية الأجنحة كي تحلق، وكي تتألق، وتتدفق، وتصفق للفرح، وللحياة بأشرعة تضع اللانهائي حدها، وسدها، وكدها، وجدها، وسردها، وبعدها والمنطقة الأكثر اخضراراً، والدوح الأشم الذي ترنو إليه، وتصبو إلى مرافئه.
هكذا يفكر سموه وهو يقترب من الصغار، ويفتح أمامهم الصحائف والكتب، لكي ينهلوا، ويملأوا جعبة الأيام، لتصبح الحقيقة هي قراءة اللاشعور، والاقتراب من منابعه، كونه البئر التي غطت في أعماقه، ذاكرةً ملأى بالأحلام، مضاءة بمصابيح الأمنيات الكبيرة، ملونة بمنمنمات تاريخية، يتوجب علينا أن نكون متصالحين مع أنفسنا كي نكون أوفياء للحقيقة كي نكون منتمين إلى أنفسنا، كي نكون مناهضين للمرايا الغابرة، كي نكون مناهضين للملاءات الباهتة.
هكذا يفكر سموه، بأن صغارنا هم المرايا الحقيقية التي نرى من خلالها وجوهنا، وفي وجوهنا تكمن حقيقة أننا في الوجود أحرارٌ، في الحياة نمارقنا مصفوفة على فرش من مخمل السعادة، وزرابينا مرتبة في كنف التسامح، والانسجام مع الآخر.
نقترب من الأطفال لنتعلم منهم كيف نكون في العفوية زهرات برية، وكيف نكون في الفطرة مخلوقات لا تدنسها رغبة طائشة، وكيف نكون في الأبدية، في وحدة مع الوجود لا تفرقنا هفوة، ولا تمزقنا نكبة.