قلنا في ميسي ورونالدو، ما قاله الشعراء في الجمال، وما قاله الفلاسفة في الأساطير، تعبيرات توجز «الوله» في «الجنون»، ومسميات تنحت في صخر اللغة، لتعبر عن حالة الشدوة والإعجاز، ومن فرط ما أمسك الخارقان بقمة السحر الكروي طوال 12 عاماً، توهمنا أن ما بعدهما غيمات لا تمطر، وصحراء لا ماء ولا زرع فيها، وإن قيد لنا أن نرى نجوماً على مقاس الأسطورتين، فإن ذلك سيكون حتماً بعد زمن يطول فيه الانتظار.
والحقيقة أن كرة القدم، وهي تدخل مرحلة متقدمة في تصنيع النجوم وتلميع المواهب، حتى لا تتهم بأنها تمعن في صنع الإبداع الآلي، لا يعجزها أن تهدينا جيلاً جديداً من اللاعبين من ذوي المهارة العالية، الذين يكون لهم السحر غذاءً، والإبداع هواءً.
ودلنا على ذلك ما شاهدناه في الفاصل الأول من ثمن نهائي دوري الأبطال، تحديداً في مباراتي برشلونة أمام سان جيرمان، وإشبيلية أمام دورتموند، من هاتين الإلياذتين الكرويتين خرج عبقريان جديدان، أجزم أنهما سيكونان خليفتين لميسي وكريستيانو.
في مباراة برشلونة وسان جيرمان سيشاهد ميسي الموجوع بخريف «البلوجرانا»، فتى خرج ملتهباً مثل الحمم من فوهة البركان، نوراً مثل البدر الذي يضيء الليلة الظلماء، مبابي الذي سجل ثلاثية.
ومن عباءة مباراة إشبيلية ودورتموند خرج مثل ومضة السحر فتى «الفايكنج»، النرويجي هالاند ليرسل في سماء الأندلس شهباً، ليذكرنا بالبدايات المدهشة لـ «صاروخ ماديرا» رونالدو يوم انطلق من قاعدة مانشستر حاملاً البهجة والسعادة.
مبابي الفرنسي الصنع، وهالاند النرويجي النشأة، كلاهما ينتميان للزمن الكروي الجديد، للثورة التي حدثت في منظومة التكوين، حيث يتم التدقيق في كل الخاصيات الفنية والمورفولوجية والبدنية وحتى الذهنية، باستحضار الجينات الإبداعية المأخوذة من الأسطورتين ميسي ورونالدو.
هالاند الذي لا يشبه في شيء كل الدبابات التي صدرتها لنا لسنوات الكرة الاسكندنافية، قبل أن يكون هدافاً خارقاً «سجل للتمثيل لا الحصر 41 هدفاً من 42 مباراة لعبها بقميص دورتموند»، هو «بيلدوزر» بقوته الخارقة، وهو جسور بجرأته العالية، وهو الحصن الذي يحمي الثغور، وهو أيضاً الموسيقار الذي يجعل اللحن عذباً وشجياً.
أما كليان مبابي خريج الأكاديمية الفرنسية الماركة المسجلة عالمياً، فهو نسخة استثنائية وغير مسبوقة، لأنه يجمع بين السرعة والدهاء والبراعة في الأداء، وهو ما لا يمكن أن نجد له بين لاعبي هذا الزمن شبيهاً.
في النهاية مبابي وهالاند، هما من سننعم بعبقريتهما، هما من سيرسلان لكوكب كرة القدم لسنوات ضوءاً باهراً، هما مسبار الأمل الذي سيصعد بنا إلى مدارات الدهشة.