في لحظة زمنية فارقة، تتساقط أوراق الشجرة العملاقة، وتتهاوى بسرعة جنونية، وينتهي زمن العمالقة، وفصل الدروس العظمى في حياتنا.
عزت العلايلي يذهب بعيداً، لتصبح خيوط شمسه بلون الشفق ساعة تدحرج الشمس باتجاه العالم الآخر.
هذا الفارس يترجل، وينهي فصلاً محورياً من فصول الفن الجميل ويلتحق بركب كوكبة من فنانين عرب ملؤوا الساحة الفنية بأحلام وطر لن تتكرر صفحاته المضيئة، ولن يعرف الجيل الحاضر مدى ما لهؤلاء النجوم من ضوء سكن أفنية العقول، وجعل من الفن رسالة ذات قيمة، وبوحاً ذا صدى، وقيمة إنسانية وحضارية، شعت بنور الوعي، يوم كان الوعي طريقنا للإمساك بأطراف النجود الخصيبات، يوم كان الفن لحنا وجودياً، مزدهراً بأحلام زاهية، وآمال أشبه بزهرات برية تترعرع على هضاب معشوشبة بالحنين إلى الجبلة، والسعي دوماً لقطف ثمار الحياة عبر أنامل من فضة، وبرحيل هذا الفنان العريق، صاحب فيلم «الأرض» بصحبة المخرج الأريب يوسف شاهين، تكون السينما المصرية قد أخرجت ما في جعبتها من فن ملتزم، وإبداع لا يحيد عن التزاماته الإنسانية والوطنية، ولكن، ولأن مصر ولادة، وهي هبة النيل، وجارته العتيدة، فإن الأمل يظل حاضراً رغم قسوة الظرف الإنساني ورغم الدوار الذي أصاب الفن بصورة عامة، ورغم ما لحق بهذا الفن من غبار، واليوم ونحن نمعن النظر في صورة عزت العلايلي، وهو يشير بيده وداعاً وكأنه يتنبأ بشيء ما سيصادفنا في الطريق ونحن نبحث عن شيء ما مفقود في الفن الحديث، نشعر حقيقة بالفقدان، ويداهمنا مخلب الخوف على العملية الإبداعية وهي تعبر الطريق المزدحم بلغط الوجبات السريعة، والفنون الخرافية التي اجتاحت المسارح، والسينما حتى أصبحنا نبحث عن أنفسنا في حلقات الضياع، ومواسم استئناس الفن قليل الدسم، نفكر في التاريخ فنراه لعبة مزدوجة، وحلقات تستدير على الوعي لتحوله إلى مجرد أطواق من حديد صلب، وصدئ.
ذهب عزت العلايلي بعد عطاء جزيل، ومنير، وثري بالمعنى، والأثر، ذهب هذا الفنان الجميل، حاملاً معه ملامح زمن أجمل.
ذهب عزت العلايلي، وأسئلة كثيرة تنتظر جيل الفنانين المعاصرين كي يجيبوا عنها، بأعمال فنية توازي ما قدمه السابقون لهم، أمثال عزت العلايلي، ومحمود المليجي، وتوفيق الدقن، وعماد حمدي، وغيرهم كوكبة من عمالقة الفن المصري، والذين أضاؤوا الشاشة السينمائية، بوجوه كرست الفن كحياة، ونمط معيشي.