لو نحن شككنا ولو للحظة، في أن كرة القدم تسير رأساً نحو الإفلاس، وأنها كأي مؤسسة ربحية تتعرض اليوم لأكثر الأزمات والصدمات المالية حدة، ولو نحن رأينا لهذا السقوط الشنيع سبباً واحداً ووحيداً هو جائحة كورونا، ولا شيء سواه، سنكون كمن يحجب الشمس بالغربال، أو كمن يبيع نفسه وهماً ويصدقه.
صحيح أن ما نقف عليه اليوم من أرقام فظيعة للخسائر المالية المتكومة، والقابلة للزيادة، وجائحة كورونا ما زالت تجثم على الصدور، يقول بأن كرة القدم، الرياضة الأكثر جماهيرية وتداولاً للمبالغ المالية الفلكية، تعيش واحدة من أسوأ أزمنتها بسبب أن جائحة كورونا قلصت بنسب مهولة إيراداتها من بيع تذاكر المباريات (تراجعت مبيعات التذاكر بـ 257 مليون يورو لنصف الموسم الماضي فقط)، وبسبب إحجام المؤسسات الاقتصادية الكبرى عن الالتزام بتعهداتها لوجود ظرف قاهر، وبسبب التراجع المهول لعائدات النقل التلفزيوني (أوروبياً قدر التراجع بنحو 937 مليون يورو)، إلا أن المشهد في كارثيته يستدعى الإقرار من دون مكابرة، بأن النظام الاقتصادي لكرة القدم على الوجه القبلي، به عيوب كثيرة ولا مناعة لديه يمكن أن تحول دون انكساره بهذا الشكل الذي يحدث أمامنا اليوم، وقد قدرت التوقعات الاقتصادية، الخسائر المالية لكرة القدم الأوروبية وحدها بثمانية مليارات يورو، وتلك حقيقة صادمة ومؤلمة إن استدعت من الحكومات تدخلاً عاجلاً لحقن الأندية، بضخ مبالغ مالية مهمة على مدار السنتين القادمتين لتجفيف المديونية المنتفخة، والحيلولة دون إشهار الإفلاس، فإنها تفرض موازاة مع ذلك أن يعاد ترتيب البيت بإحلال حوكمة مالية متطورة تأخذ بعين الاعتبار الدرجات الجزافية التي يمكن أن تصلها الموازنات المالية، من دون أن يفتح ذلك طريقاً سياراً نحو الانتحار المالي.
أطلعت مؤخراً على فحوى تدخل جريء لأندريا أنييلي رئيس نادي يوفنتوس، وأحد متزعمي مشروع إطلاق دوري أوروبي لـ«20 مميزين»، والذي تعارضه الفيفا لفلسفته التفييئية بل والتمييزية الظالمة، وكان من خلال ندوة مرئية دعا لها أحد المواقع لبحث المستقبل القريب لكرة القدم الأوروبية، ووجدته يقترب كثيراً من الفكر الذي يبشر بمولد نظام جديد لكرة القدم العالمية، من أبرز دعاماته إحداث نمط اقتصادي جديد يستطيع بقاعدته الإسمنتية الصمود في وجه الجائحات، ويتمكن برافعاته الاقتصادية والاجتماعية، أن يستثمر على نحو أفضل في الشعبية الجارفة لكرة القدم. 
إن كرة القدم بهذا المعنى تعيش واحدة من أصعب فتراتها، إن هي لم تبادر إلى إيجاد لقاح يكسبها مناعة ضد جائحات من قبيل جائحة كوفيد- 19، ومن قبيل جائحة الكساد والمضاربات والاستنزاف، إن هي لم تقو على دفع كل هذه المخاطر، فإنها ستسير رأساً نحو السقوط الذي لا قيامة بعده، وعندها لن تنفعها في شيء شعبيتها.