لم يقطع الحزن على رحيل المربي الفاضل محمد أبوليلة، عنق الزجاجة في قلوبنا حتى يحدث الجلل العظيم برحيل الزميل والصديق العزيز عبيد سلطان طويرش، والذي حفر غيابه المفاجئ في الروح جرحاً دامياً، حرك المواجع، وسفد النفس بوشاية الآلام المبرحة، فليس أفدح من فقدان إنسان كانت له في النفس شوارع صور، ومشاهد، وكلمات رسخت في الذاكرة معنى أن يكون للإنسان علاقة وجودية مع آخر، ربما لا تبرز ملامحها إلا حين الفراق، وللفراق شجون الفقدان، وشؤون الأحزان التي تبدو مثل غيمة حمقاء تتلف الزمن من بين الثنايا، وتخطف في القلب لحظة ربما انتظرناها لعل وعسى يترف الزمن أنفسنا بلقاء ولو كان على أريكة ومضة، أو مسند غمضة، ولكن هذا هو الموت إنه النبرة القاصمة، والعبرة الجاثمة على صدر الزمن، ولا مجال للقول، أو بالأحرى التمني بلقاء، أو كلمة أقلها وداعية خاطفة.
عبيد طويرش، عملت معه في جريدة الاتحاد عقداً من الزمن، كان الرجل «رئيسي» في العمل، وصديقاً شخصياً في الحياة، وفي الحالتين كنا أقرب من حبل الوريد إلى القلب، كان الرجل حميمياً، وادعاً كما هي الموجة المهدهدة عند وجدان السواحل، كان الرجل بمنظور عصر الموسوعيات، مثقفاً واسع المعرفة، عريقاً في علاقاته بالآخر، كان مخلصاً في عمله، قلقاً باتجاه الجودة والمثابرة، والمبادرة في صناعة المنتوج الصحافي الأفضل، والأجود.
سنوات من العمل مع عبيد طويرش، كانت فصولاً ربيعية معشوشبة بأزهار الفرح، والضحكة اليانعة تبرز من أعطافه كأنها تألق الثمرات، وتسبح على وجنتيه كأنها الأجنحة اليافعة، واليوم يغيب أبو محمد، ومعه ترحل أسرار تلك الابتسامة الودودة، كما يترجل المربي الجليل محمد أبو ليلة، تاركاً جواد المرحلة يطرح أسئلة الحاضر، كم هم أوفياء أبناء ذلك الجيل! وكم هو أبو خالد!، كان في الفصل التربوي رجلاً معطاء، سخياً، وفياً، ثرياً في صدقة، غنياً في إخلاصه، محباً لبلده، منتمياً إلى الإنسان، محتفياً بثقافة العطاء الذي لا تجف جداوله، ولا تكف أشجاره عن بث الثمرات، لأجل أن تضاء مهج الآخرين بترف الحياة.
شكراً عبيد طويرش، شكراً محمد أبوليلة، لقد أجزلتما عطاء، وفضتما بذلاً، ومن يملأ وعاء الوطن بالحب، لا يغيب، لأنه يمكث في صدور الناس كما هو النهر الخالد. شكراً لكما جهداً مبروراً، ونهلاً مشكوراً، فشكراً، وقلوبنا تهتف بالرحمة على روحيكما، سائلين المولى أن يلهم ذويكما وإيانا الصبر والسلوان، ويجعلكما في مثوى جنات النعيم.