هي هكذا نبعت المعرفة، من نبس النجوم التي تلألأت لتضفي الجمال على السماء والوردة التي رقصت، فرحاً لتعبق قميص الأرض بالعطر. ما يحدث في العالم من غشاوة هو بسبب ذلك النسيان الأزلي لذاكرة مثقوبة، تحللت من معتقداتها الطبيعية وانسلت من بين الأفكار القميئة، لتصبح في الزمان غثياناً، يبوء بالإنسان إلى ناصية قصية في التعب.
هذه الأفكار التي مع التقادم أصبحت نفاية تاريخية، ومكبها هو هذا العقل الذي تحلل، فتخلل أزمنة من الغرف جزافاً من طائلة «الأنا» وما أدراك ما الأنا، وهي وصمة الزمن في جبين البشرية، والتي تعلقت، فتملقت، فتدفقت، فاندلقت، فاحتبست في كوة نائية، قد لا ترى في العين المجردة، ولكنها بمفعول قنبلة نووية، عندما تنفجر ذراتها المكتومة وتحول الكائن البشري إلى رماد.
الإنسانية المعذبة، تبذل جهداً مضنياً من أجل الخلاص، ولكن لا خلاص طالما افتقر العقل إلى شيمة الإحساس بالجمال، وطالما ضل طريقه إلى الحياة.
من لا يشعر بجمال الحياة لن يصل، ولن تطأ قدماه جنة السعادة؛ لأن للسعادة أصبعاً مغروساً في نهير الجمال، وإذا ما إن حرف ذلك الأصبع، فإنه يقع في جحيم التعاسة.
فالسعادة والتعاسة طريقان، أحدهما في الخارج، والآخر في الداخل. نهرب من تعاستنا، ونذهب إلى السعادة، نظن أنها تكمن هناك في جبال الهيمالايا، أو في الإسكيمو، أو في أي مكان خارج الذات، الأمر الذي يجعلنا نلهث كثيراً، وتتقطع أنفاسنا دون العثور على سعادتنا، فهي هنا، ولنشير بالأصابع نحو القلب، إنها هنا، ويجب ألا نقطع الأمل، بل نتأمل جيداً كيف تدق أجراس القلب منذرة بخطر الابتعاد عن موطن السعادة، يجب توخي الحذر، وألا نقع تحت سطوة اللاوعي، ونهيم كما يفعل الماشي أثناء النوم، ونفتح باب المنزل ونخرج إلى الشارع، حيث تداهمنا المفاجأة الأخطر، ونقع في المحظور.
سعادتنا في وعينا بأننا هنا، في قلب جمال الوردة في صميم رقرقة الجداول، في عمق وجدان الشجرة الواقفة عند باب المنزل، أو في حديقة الفناء الخارجي، إنه الكائن الودود الذي يأخذنا برفق، ويمضي بنا نحو السعادة، هو الإحساس الفطري بالجمال، عندما يزدهر في عروقنا، وتنمو أطرافه اللينة في شرايين أفئدتنا، وتترعرع عناقيده عند خصلة في جانب الصدر الأيسر، إنه القلب المعنى بهذا السر وبهذه الجملة المفيدة «حب الجمال». وهي النقرة الأشبه بالنفرة حين تخب ركابها في الروح، ويصبح الجسد مخمل الأبدية، وحرير الفرح.