سأجدف في بحار الأماني أيها العام الجديد، فلي أشواق أحلامي التي تختبئ في نسيج الغيب. ولي لغة نقشت بها وعيي وثقافتي وتأملاتي في طبائع الإنسان والتاريخ والكائنات والكون ومعاني الحب والسلام، وكل ما يحيط بنا معرفة وجهلاً، ولأن لي شغف المعرفة التي ترجني في اليقظة والمنام، سأوقن أنني كل يوم سأنهض مبتهجة، كما ينهض المبحرون والعائدون بعد البحث والتنقيب بفرح العثور على الكنوز. فالله لم يبعث عواصفه ليمتحن الشراع، أو يبتلي البحر بمرساة الخنوع، فالبحر أمنية الرحيل. والله من ينجينا من الأهوال، ومن يرخي قياد الموج إذا احتدم المحيط. أي اجتراح وخطيئة أصاب هذا الكوكب الفريد في عليائه باحتباس حراري، بسبب هوس الإنسان الباحث في أعماقه عن خبايا الكنوز، فأعدم ملايين الكائنات، ونشر الأوبئة التي عبرت عن غضب الطبيعة، فدمرت ملايين البشر. فأين أنت أيها الإنسان الذي أوغلت في بحار العلم والاختراع والاكتشاف، ولم تجد بعد سوى تجاريب يحيط بها الشك وينفيها اليقين. وأي متكئ تأوي إليه أمانينا بكوكب آمن به نستجير إذا التضاريس تمادت، في اختلاط مبهم، ونأت في البعد بأحلامنا، وتمازجت كمبهم في أخلاط السديم!
يا إلهي.. موحش كل مساء لا يهطل المطر فيه، ولا يفتح الفل براعمه لي وينثر عطره ويرشني بالفرح والابتهاج. ولا الورد البهي ينحني لحنان كفي حين ألامسه، و لا قطرات المطر الشحيح الذي كان سخياً يدفق في جذور الأزهار والنباتات. وليس دعائي من يشي للبحر بتكوين السحاب ويأمره بالهطول على الصحارى التي جففتها حرائق الشمس، فلم يعد يهطل على رأسي، ولا على يدي، ولا على جذور الحقول التي جففتها قسوة المناخ !
فلماذا هذه الوحشة! هذه العتمة؟! هذا الليل إذ يطوي مباهجه، ويوثق الرغبات في حبائله، وينأى بتوق الروح ولا ينسج أحلام العمر والسنين. 
سلام عليكم إذا أيقنتم أن الليل سيعقبه النهار، وأن الحب لن تعقبه الضغينة ولا الحروب ولا الدمار، وإن العصف سيعقبه الهدوء والسلام! 
من أين تأتي هذه الوحشة مرُّة كارتباك الدم، كعضة الألم، كالأمواج في غضب العواصف. من أين تفاجئنا كزلزال وتنثرنا شظايا وتصلينا الحمم؟
هل نأى هذا الزمان بالأحلام وشاخ الحقل والزهر، وأيقن المطر أن الطين أجدب في سهوب القحل فلم يهطل. وإنا إن حرثنا، فحرثنا الملح. وإن شذبنا الغصون، مآل نسوغها الموت، وإن أبدعنا في اللحظة مسرانا، تعثرنا بيأس اللحظة الأخرى، وإن أدركنا أن الليل منحسر، سيأتي الليل بعد الليل، وإن أعقبه الفجر!