شجنٌ كثيرٌ سوف يتناثر تحت قدميكَ إن قلت: أحبها. فلقد بكى قبلك المدّاحون حتى ابيضت عيونهم، ورقص رعاةُ الطبلِ إلى أن تيبّست أرجلهم في حلبات الفراغ، ولم نسمع أنهم عثروا على باب الحلمِ الذي إذا انفتح خرج منه الداخلون، ودخل منه الخارجون كأنهم في دائرة لا تنتهي في البحث عنها.
حدث هذا من قبلُ، عندما أشاعَ الرواةُ خبراً عن امرأة يعرفها الآخرون من شكل معناها، وهي امرأة يلقبها المسجون بالحرية، ويلقبها الحرُّ بالمطلق الأبدي، ويرى فيها الفقراءُ جنّة الخلاص من ثقل الزمن. لكن حتى الآن لم يرها أحد، ولا سمع صوتها العصفور، ولا اقتربت من شمّ عذوبتها الوردة.
سيقولُ رجالٌ كثيرون: هذا كلام شعراء محض، وفرطٌ من خيالٍ ليس إلا. لا يمكن لامرأة لا تُرى أن تبث الحياة في عروق الموتى والمعدمين. لذا، لا تصدقهم، أنت الذي فهم المعنى وابتلع طعمه، وعليك أن تسميها: زوجة الأمل، كي يفطنوا لما ترمز إليه. أو احمل شعلةً من نار بيضاء وطف بها في غموض العقول المتحجرة، ليدرك أصحابها أن للوجود معنيين، وأن الذي يتجلى في الظاهر، ليس بالضرورة شكل الحقيقة، وقد يكون على العكس، نقيضها. وعندما يتحدث الشعراء عن المرأة، فإنهم يقصدون الجذر الأصلي لمعنى الخصوبة. وعندما يهتف الفقراء باسم الرغيف، فإنهم يمجدون كل من يبحث عن روح العدالة بين البشر. وأنت أيضاً، تستطيع أن تتحدث عن امرأة هي أختُ الأشجار إذا فتحت ذراعيها، وهي الوطنُ إذا غنّت في سلام الطبيعة وأمانها، وهي فكرة الخلود في عقل الفيلسوف. ولامرأةٍ مثل هذه عليك أن تشد الرحال كل يوم، ممتطياً عقارب الساعة، قافزاً فوق أسرّة الأحلام، راكضاً في البرية البكر كي تكون أول من يرى الضوء وقت بزوغه، وأول من يشهد ولادة الحياة وروعة انعكاسها في تنفسكَ وفي اندهاش قلبك.
في تلك اللحظة فقط، عندما تُعلنُ أنك اكتشفت جوهر ذاتك، ستكون قد تعرفت عليها. المرأة التي نصفها أنتَ حين تكون حقيقياً، ونصفها الثاني وعيكَ وإدراكك بأن هناك حياة أخرى يجب أن تعيشها، حياة أعظم بأفكارها وجنوح خيالك فيها. كأن ترى نفسك تصعدُ جبلاً بقفزة واحدة، أو أن تمدُّ يدك في جيبك فتعثر على مفتاح وجودك الضائع.
إنها المرأة التي يحقُّ لكل مذهول أن يجد طريقه بمجرد التحديق في صفاء عينيها.