هنا في مرسانا، تسير الأقدام واثقة على عشب الحياة، مكللة بنسيم مقبل من جهة خريف طفولي، بدأ يشير بأصابع النباهة، بأن الشتاء بدأ يلملم عباءته في استعداد لملاقاة الوجه الحسن، على أرض مرسانا في الحديريات، حيث القلوب ترتدي فستان أفراحها وتتهيأ لزمن جديد، بإبداع جديد، يرونق أبوظبي بما تستحقه من عناية، وعبقرية بشرية تجاوزت حدود الاستثنائية، وتربعت على خاصرة النجاح بكل رزانة وأمانة.
في هذا المكان، قلب الحديريات، يبدو المكان في الزمان، قطفاً من ندف السماء، وتكبر أحلام الطير هنا، كما تتسع حدقة الذاهبين فرحاً على بقعة من الأرض تحولت إلى بساط من حرير، وإلى رقعة سماوية تفيض بغايات النهار المبهر، وبقعة من وميض النجوم، حارسة الجوهر النفيس في ليلة من ليالي الإمارات الأريبة.
وعندما ينتقل المرء من مرسانا، سعياً إلى «الممشى التراثي»، هناك تقابله فسحة الأخضر ممزوجة بعطر الزهور اليانعة، وهي تبوح بسر وجودها، إنها الساعة الثامنة مساء، في يوم جمعة مباركة، حطت الرحال عند ذلك الممشى، حيث الأنام يسيرون بوئام، والهمس الإماراتي يتدفق من مباسم، تلهج باسم هذا الزمن الجميل، وتتطرق إلى تفاصيل المنجز، وكأنها تقرأ قصيدة للمتنبي، وكأنها تتلو مشاهد من روايات بلزاك أو ديستويفسكي، وكأنها في ليلة من ليالي التهجد، والتبتل، على أرض تبعث من ترابها كل مبدعات الاندماج مع الوجود، والسير قدماً نحو تأصيل الوجدان الإنساني وتهذيبه، وترتيب أشواقه.
حقيقة ما يحدث على هذه الأرض لهو النشوء لوجدان بشري آمن بأن الحياة رحلة لا تنتهي فصولها، وأن من يحب الحياة لا يجد مناصاً من تعقب أشكال الجمال في سيمائها، وسماتها، وصفاتها.
في منعطف آخر، عندما تلتفت ناحية أخرى تجد «القرية الرياضية»، وهي تنتظر روادها على أحر من الجمر، وقد هيأت بكل أسباب الرفاه، وكل ما يحتاجه الرياضيون من متع الرياضة، وعلى الجانب الآخر، هناك يتألق شعار الدراجة الهوائية، كنسر يبرز شهامة شموخه، حيث يشير إلى ممشى الدراجات والذي رصفت أرضه بمساحة جغرافية رصفت بعناية، وأعدت من لدن خبرات عتيدة في ميدان صنع الرفاهية الرياضية، وتحيط بالمكان، ذائقة شجرية، تحرس الممشى بسنابل خضراء تنتعش لها الروح، وتستولد القلب من جديد.
كل هذه المراتع، تنبجس من المنطقة الأم «الحديريات»، وهي منطقة تمد أناملها باتجاه بحر الخليج العربي، ومن خلفها تقف جغرافية المدينة، تعضد بنائها، وتشدو مع الطير، احتفالاً لمنشئها، وبريق ترابها.