كان ياما كان في قريب الزمان يوم لم نذهب فيه إلى المدرسة وكان يوماً غريباً لأن انضباط أهلنا بالمدرسة كان يفوق التوقعات، وفي ذلك اليوم قام والدي لصلاة الفجر وسمعته عندما عاد من المسجد وقد جلس بجوار كوار الضوء، التي وضعت عليه والدتي مخبراً لصناعة الخمير، فقال لها وهو يداري شعرة مؤشر الراديو بحثاً عن صوت العرب: أسميه حلم اللي رئتيه في منامي بالأمس؟ فقالت له خديجة: خير إن شاء اللهم اجعله خيراً، فقال لها: حلمت سيدنا عمر رضي الله عنه وهو يناديني، ولم يصدر من زوجته بعد تلك الإجابة أي صوت، فهي قد وضعت ولداً أسموه أحمد منذ بضعة أسابيع..فقال لها بالخير: هذا الرضيع أصبح أسمه عُمَر. عندما تغير اسمه من أحمد إلى عمر عاش ليعمر في قلوبنا ضحكة لا تعرف نهاية، فهو من كان يقلب الصعب سهلاً وبمحركاتٍ خفية كان يغير المواقف لتصبح بلا جذور تذكرنا بالوجع أو اللا معقول.
عمر هذا عاش أنيقاً جميلاً بعيداً عن المغالاة بل في بساطته ما يجعلك تنبش في سر الحياة. وعندما زارنا موت الفجاءة ارتحلت روحه إلى الرفيق الأعلى وبقينا مع ذكرياتنا والصور والقصص التي لا تجلب إلا السعادة. قال عبد الله بالخير: رحل أخونا وليس لدينا ما نقول سوى أن الفجوة كبيرة.. لقد اكتسب كل واحد منا صفة من صفات الوالد. فقلت له: يا عبد الله.. لقد انشطر قلبي ولولا إيماننا بالله وتواصل مُحبي عمر معنا لكانت المصيبة أعظم. رحل أخي الذي كان يلوي علي ويقبلني بحرارة قلبه وجمال روحه.. شكراً لك يا عمر جسدت المحبة والعطاء وكنت سنداً وفخراً وذخراً.
للعارفين أقول، عندما ينتهي الطريق.. تسقط الأوراق تحت ظل شجرة المنتهى.. رحل أخي وبقت رائحته في غرفته وفي ثيابه المعلقة في الكبت.. اليوم عرفت أن القلب والنفس هما وجهان لعملة اسمها الروح.. ليس لها ثمن وقيمتها في تفاصيل الحياة من كلام وجمال وما بينهما.. رحل عمر وكأنه يقول لي: الصعب هنا.. السهل هناك..الحمد لله على كل شيء والحمد لله في كل شيءٍ.. وعشت في تفاصيل حياتي جميلاً أبدياً في القول والفعل.