العين تدمع، والقلب يفجع، والفقدان كبير يا كويت. للراحل الكبير الشيخ صباح الأحمد الصباح موقع النجوم، ومكانة السحابات الهطول، في قلب كل إنسان عربي، وهو السياسي الفذ الذي رفرفت قريحته السياسية في أرجاء العالم العربي، يهفو قلباً وفكراً من أجل أن تحط القافلة العربية عند فيافي الأمن، ونجود الاستقرار، وأنهار الازدهار، كان حتى آخر نبضة في صدره يعمل على تأثيث الوجدان العربي بمخمل الطمأنينة وحرير السعادة، كان في مسعاه، ومرمى عينيه، الإنسان في كل مكان، ما جعل الكويت مهبط ثقافة الوعي المتوحد مع الآخر، بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، ودلالات، ومغزى، وبكل ما تعنيه الحياة من صيغ التسامح، والاندماج مع تلافيف الوجود بكل رسوخ وشموخ.
الكويت إذ تودّع أمير التسامح، إنما ينصب وعيها تجاه أميرها الجديد، والذي هو من دم ولحم، وفكر الأمير الراحل، وهذا ما يجعلنا نشعر بالطمأنينة كون الأمانة لن تخرج عن صولجان تألقها، وتدفقها باتجاه كون يحتاج إلى حكمة الفطنين، وفطنة الحكماء، وبلاغة وعي النبهاء، والذين هم السور، والسيرة، والأسور لكل بقعة في هذا العالم، والذي يستند بكل صراحة على الرجال الأوفياء في هذا العالم، وللكويت تاريخ في البذل والعطاء من أجل عالم لا تؤرجحه الجوائح السياسية، ولا ترجرجه الرياح الأيديولوجية، الكويت منذ البدء وهي صمام الأمان في منطقة عربية متفجرة، ومتأثرة بتيارات عقائدية فجّة وعقيمة. الكويت هي رمانة الميزان في منطقة التهبت خاصرتها، وتوهّجت ضلوعها، جرّاء أطماع خارجية قصدها تأجيج المكان الخليجي، وإثارة الغبار في ربوعه. فقدنا صباحاً، وصباح يطل، والكويت لن تطفئ سراجها، مادمت ترفل بثوب صباحي منبته الأسرة النبيلة، وأصله يعود إلى جزيرة عربية محاطة بفصول من الانبثاقات الجليلة، والتي تفيض بها عروق الأوفياء من أبناء هذه المنطقة، والتي طالما سعت حثيثاً لبناء خيوط المودة بين الأشقاء والأصدقاء، ومد جسور المحبة للقاصي والداني، ولا انحياز إلا إلى الحقيقة البشرية، وهي أننا كلنا أبناء هذه الأرض، والحق للجميع أن يعيش بسعادة، من دون تنغيص أو تنصيص بالجملة الخليجية واسعة الظلال، كثيفة المشاعر الندية. رحم الله صباحاً، وأعظم الله أجر محبيه في مشارق الوطن العربي وفي مغاربه.