ترقى الأمم، وتنهض، وتتطور، بوجود الإشعاعات البحثية، والتي تقوم بمجسات علمية إقصائية، تتحرى التفاصيل في ثنايا المستجدات من الأمراض والأوبئة، كما تعمل هذه الأبحاث على سبر غور ما يحدث في جسم الإنسان من تغيرات، وتوفير الملاذ الصحي الآمن لهذا الإنسان، وهو العنصر الأساسي لتطور المجتمع، وبناء حضارته ورفع شأنه، والحفاظ على مكتسباته، وتنمية منجزاته، وتطوير مشاريعه في مختلف الصعد والمجالات.
في الإمارات تبدو الرؤية واضحة، والتطلع جلي باتجاه إقامة الصروح العلمية التي تخدم مصالح الإنسان، وتعلي من قامة الوطن، وتذهب بالطموحات إلى حيث تكمن النجوم، وتهيمن الكواكب. ولهذا كان لا بد وأن يطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، مركزاً للأبحاث الطبية، الحيوية، ليتواكب هذا المشروع، مع مشاريع إماراتية عملاقة سبقته، وهو الأمر الطبيعي الذي يتناسب مع رغبة الإمارات في أن تكون في طليعة الدول ذات المحسنات الطبيعية في مختلف الميادين، وهو أيضاً السبب الأساسي الذي جعل بلادنا تقف عند قمة الهرم الإبداعي، بدءاً من السياسة، إلى الاقتصاد، والصحة، والتعليم وكل ما ينهض بحياة الإنسان، ويجعله في المنطقة الخضراء على الأرض البسيطة.
هذا المركز هو البذرة الأولى، والتي ستنمو عند حياضها بذور أخرى ليزهر بستان الإمارات بكل ما يجعله في المقدمة، وكل ما يميزه بين المجتمعات الإنسانية، وكل ما يفتح له نافذة أوسع في محاريب التقدم العلمي، واليوم العالم يفتخر، ويتباهى بما يختزنه من عقول، وما يحتضنه من مواهب تعمل على إضاءة الطريق لمجتمعاتها، وتلوين حياة الناس بالعافية وتخصيبها بالقدرات الفائقة على العمل، من دون آهة ألم، ولا أنة مرض. 
المختبرات العلمية هي في الأساس مراكز إشعاع، ومحطات نور، وخيوط أمل في أن تستمر مسيرة الأوطان من دون عقبة صحية، ولا عرقلة تمنع من ذهاب الجداول إلى الأشجار. وقد استطاع العرب منذ فجر التاريخ أن يغذوا العالم بعلومهم، وأبحاثهم، ودراساتهم الفكرية، وهذا ما جعل ابن سينا، والفارابي، وابن الهيثم وغيرهم ممن ساهموا في بناء الحضارة الإنسانية، تظل أسماؤهم وضاءة إلى يومنا هذا. (وكما أننا بحاجة إلى الهواء والغداء، فإننا أيضاً بحاجة إلى علم يكسونا بالشفاء).