حريق بيروت، بداية لمرحلة جديدة من تاريخ المنطقة، وهي لا تختلف عن تدمير البرجين في أميركا، واللذين تبعهما تغيير في معالم المنطقة بدءاً من أفغانستان، وانتهاء بالعراق.
ما حدث في بيروت ليس مجرد حريق، تخللته تكهنات، واتهامات، وتأويلات، بعد أن تحول نصف بيروت إلى أنقاض، وجثث، وجرحى، ومشردين.
هناك في الأفق تطل بؤرة مضيئة، مثل قرص الشمس الذي تشوبه شائبة غيمة داكنة، هناك في خبايا الحادث الأليم تكمن نقطة تحول تاريخية، سوف تطال أصابعها تغيراً جذرياً في الحياة السياسية في لبنان، ولن نستبعد أي شكل من أشكال الواقع الجديد، الذي ستبدو عليه المنطقة برمتها.
ما أسفر عنه الحريق الهائل، ليس مجرد احتراق لمبانٍ على أطراف مرسى بحري، وإنما هو دفن لمرحلة، لانبثاق مرحلة سوف تغير من معالم، ومن قوى، ومراكز ستتحول إلى أنقاض، وربما يدهش هذا التصور البعض، ولكنها هي الحقيقة التاريخية التي ينبلج عنها ما يذهل العقل.
نحن أمام عالم جديد سيتخلق من أحشاء الواقع، وسوف تبنى على هذه الكارثة أبراج سياسية جديدة، تمنح لبنان صيغة سياسية جديدة، كما تعطي المنطقة بحذافيرها وجهاً جديداً، سيكون بمستوى وثبة الجواد الجامح، وبمعادل جغرافي لا مثيل له منذ سايكس- بيكو، وسوف تجد هذه القفزة التاريخية، استقبالاً مؤزراً بالارتياح كونها ستزيح تابوتات هيمنت على الوجدان العربي، وتمكنت من تغريبه عن الواقع.
سيحدث ذلك بسرعة فائقة، كما هي ضربة السيف المهند للعنق، وستكشف هذه القفزة مدى ما للخرافة السابقة من غشاوة، استطاعت أن تعمي الأبصار عن حقائق، وسيعلم المحبطون أنه ليس من المستحيل أن تزاح الغمة في مقابل خسائر فادحة لشريحة ظنت لسنوات، أو عقود أنها أمسكت بعصا موسى، وأنها العصا المتحكمة في عنق الزجاجة، وسوف تظهر الأيام مدى الوهم الذي سيطر على بعض العقول، التي دام خيالها لعمر طويل، وهو يرسم صورة النصر المبين منقلباً على رأسه، وقدماه مرفوعتان إلى الأعلى!
إذن نحن أمام سيناريوهات، نتمنى أن تنتهي بانفراجة مفرحة لصالح الشعب العربي اللبناني، والذي يكفيه ما عاناه على مدى السنوات الطوال التي مرت، مستنزفة قدراته، وكرامته، وسعادته.
والله ينصر لبنان على كارهيه من بني القربى والأبعدين، ويجعل أيامه بلا اصطفافات مؤذية.