دول ودويلات أصبح لها ناب ومخلب، وأجندة ومأرب، وراحت تحلم وتحلم، حتى أصبح الحلم مسلسلاً درامياً طويل الأمد، يضاهي المسلسلات التركية التي عظّمت وفخّمت وورّمت تاريخ دولة أشد سواداً من الليل، وأفظع اكفهراراً من وجه زعيم عصابة لا يعترف إلا بنفسه، ولا يحترم قانوناً، ولا سيادة دول، ولا مصير شعوب، ولا جاراً ولا قريباً.
هذه هي سجيّة الذين نظروا إلى التاريخ، فوجدوه الأقرب إلى أسطورة سيزيف لألبير كامو، فصاروا يحملون على أكتافهم عبء الخدع البصرية، والتصورات الخرافيّة، والحيل الدفاعيّة، ويذهبون إلى العالم بحزمة أكاذيب، وزبد، ورعد، ويخوضون غمار البحار، ويضربون بأقدامهم الصحاري والقفار، ويسومون الأبرياء سوء عذاب، ولا يبالون بحرمة أوطان، ولا يأبهون بمصائر شعوب، هؤلاء هم شذاذ الآفاق، هؤلاء هم من اعتنقوا الكذب كحقيقة، وانتهجوا الافتراء سمة أخلاقية تلازمهم، وساروا في الوجود قرحاً ودمامل تدمي الواقع الإنساني، ولا تضمر إلا الشر والتدمير، والخراب للعالمين.
المصابون بلوثة جنون العظمة، استولوا على المشهد السياسي، وارتفعوا على المنصات الخطابية، وصاروا هم الأوصياء على الحرية و«الديمقراطية»، يمضغون لبانها المر بعجرفة واستخفاف بعقول الناس، هؤلاء هم الذين يقع في سجونهم المئات، بل الآلاف من الصحفيين وقادة الرأي، ومن دون محاكمة، فقط لأنهم قالوا كلمة الحقيقة.
وعلى الرغم من معرفة العالم، وبالذات الدول العظمى، لهذه الترهات، وهذا السيل من الهراء السياسي الذي تمارسه تلك الدويلات، إلا أن العالم لم يزل في المنطقة الداكنة من اتخاذ القرار الصحيح، لردع كل مدّع وزائف، وكل معتد أثيم ومشّاء بنميم، وإيقاف صديده وعديده، وكبح جماح ركابه الهائجة، وتحقيق العدالة في العالم، ومن دون تحيّز أو إقصاء، فما يحدث اليوم في سوريا، وليبيا، واليمن، أليس هذا تدخلاً سافراً من دول غريبة عجيبة، جاءت بأجندات من مكبّات التاريخ، وقذفت بها على أراض عربية، لا تمت لها بصلة، دم ولا تاريخ.
ما يحدث في البلاد العربية، دليل على أن عصر الغاب الذي تحدث عنه فرويد لم يزل حاضراً في بعض العقول، وما يحدث في العالم العربي، يؤكد أن بعض الدول لم تزل تعيش أحلام تاريخ طوى عباءته التاريخ.