في السعودية لا يتوقف الحديث عن أسعار لاعبي كرة القدم المحليين، دائماً توضع عقودهم الضخمة، ومرتباتهم الكبيرة في مقارنة مع ما يتقاضاه الأطباء والجنود والمعلمون، تستخدم اللغة الساخطة، والمتندرة، والمخلوطة ببعض مشاعر القهر للتعبير عن وجود خلل، وللتفريق بين قيمة العلم وما ينفع البلاد والعباد، وبين قيمة التفاهة.
لست مع هذه المقارنة، وأنا ضد المقارنات في كل ما يتعلق بالمكاسب التي يجنيها الأشخاص، وليس لاعبو كرة القدم فقط، لأسباب ربما ليس مهماً عرضها الآن، لكن شئنا أم لم نشأ فإن هناك شكلاً من أشكال الضغينة ضد ثراء اللاعبين الموصومين على ألسنة جمة بأنهم ناقصو عقل، نتيجة لتسربهم من قاعات الدروس، وانشغالهم بالسخافات!
عمر اللاعب في الملاعب قصير جداً، وليس له وظيفة في سجلات الدولة تضمن أن يعيش ما تبقى له من العمر يأكل مما أودعه في خزائن التأمينات، ولا يحصل على راتبه في وقته، فهو مضطر للانتظار عدة أشهر ليودع في حسابه البنكي، وربما تلتهم الإصابة شيئاً من جسده فتلغيه باكراً من قوائم اللعبة، لذلك المسألة ليست كم يأخذ اللاعب مقابل أن يلعب، وإنما كم يعطي اللاعب للعبة داخل الملعب؟!.. هنا فقط يمكن تقدير قيمته الفنية والمالية، من دون مقارنات محبوسة بين أصبعين من أصابع الحنق الشديد، المصحوب بزخات من الحسد الخفيف.
لاعب وسط نادي برشلونة السابق، الكاميروني ألكسندر، وافق على الانتقال للفريق الكتالوني من أجل الحصول على الأموال فقط، هو قال ذلك، لكن لماذا قاله؟!.
اللاعب البالغ من العمر 32 عاماً، والعاطل عن العمل حالياً، كشف لصحيفة «ديلي ميل» البريطانية، أنه لم يستطع توفير حتى 100 ألف جنيه إسترليني، عندما كان يلعب في نادي أرسنال «قضيت 8 سنوات في أرسنال، لكنني بدأت أعيش بشكل جيد فقط في السنوات الأربع الأخيرة، حدث هذا لأن راتبي زاد كثيراً، كان الناس يعتقدون أنني مليونير، عندما عرض علي برشلونة عقداً، ورأيت المبلغ الذي سأحصل عليه، لم أفكر حتى في الأمر، أردت أن أضمن مستقبلاً جيداً لعائلتي عندما تنتهي مسيرتي، قابلت المدير الرياضي لبرشلونة قبل توقيع العقد، وأبلغني بأنني لن ألعب في الكثير من الأحيان، لكنني لم أهتم! كنت أعلم أنني الآن سأصبح ثرياً».
هكذا ببساطة يمكن أن ينتقل من الفقر إلى الغنى، وبالبساطة نفسها يمكن أن ينتقل إلى الفقر والعجز مرة أخرى.
عدد اللاعبين المحترفين في السعودية (الذين يحصلون على مقدمات عقود ورواتب شهرية) لا يتجاوز 800 لاعب، وهو رقم ضئيل جداً، لا يشكل خطراً على رزق الآخرين ومصادر دخلهم، لذلك ليتنا بدلاً من التركيز على كم يأخذ اللاعب؟! أن نركز على فهم ماذا يعطي اللاعب في الملعب، وماذا تعطي كرة القدم للملايين من الناس، ما الذي يمكن أن تضيفه هذه اللعبة في تحقيق أهداف الدولة اقتصادياً، واجتماعياً، وحتى سياسياً؟!.
الأكيد أن اللاعبين (أغلبهم) مبذرون، ينفقون بسخاء على مُتعتهم، وعلى ركوب دواب المترفين ممن ولدوا وفي أفواههم ملاعق من ذهب، وارتداء أزيائهم، وتقمص طقوسهم، لا يفكرون في المستقبل أبداً، لهذا تتبخر ثرواتهم حين يعتزلون أو يُعزلون، ولهذا يعودون إلى الفقر فجأة، ويموتون وهم فقراء كما بدأوا، قلة منهم فقط من يجيدون استثمار المال، والتلذذ بمُتع الحياة وفق تخطيط عاقل، لا إفراط فيه ولا تفريط، لكن هذا كله لا يعني أن نفرح بزوال نعمتهم، أو أن نسعى لزوال شيء منها، ولنعلم يقيناً «أنَّ الله يبسط الرزق لمن يشاء».