لا يسأل الاتحاد الإماراتي لكرة القدم، من خلال القيادات المتعاقبة عليه، إلا على القليل القليل ممن انتقاهم لإدارة العارضة الفنية للأبيض، فمع عودتي إلى سجل المدربين المتعاقبين على منتخب الإمارات لكرة القدم، وجدت قامات فنية متمتعة بدرجات عالية من الأهلية والكفاءة، بل منهم من يوصفون بأنهم صناع للكثير من الطفرات التي شهدتها أنظمة اللعب، وأساليب التدريب الفني في الكرة الحديثة.
فلا مجال، إذاً، للحديث عن تجاوزات حدثت، أو أخطاء ارتكبت في انتقاء أكثر المدربين، الذين قادوا الأبيض الإماراتي، على الخصوص في العقدين الأخيرين، من جو بونفرير، إلى الهولندي مارفيك الذي حمل منظومة الكرة الشاملة التي أبدعتها الطواحين البرتقالية، مروراً بالإنجليزي هودجسون، والهولندي ديك أدفوكات، والفرنسيين هنري ميشال وبرونو ميتسو، والإيطالي زاكيروني، وكل هؤلاء ما جيء بهم إلى الإمارات، إلا لأنهم قدموا أوراق اعتمادهم، وحصلوا على جواز الإبداع العالمي.
بالقطع، لم ينجح كل هؤلاء في رفع التحدي وفي كسب الرهان، بل منهم من ابتعد بمسافات، عن مضاهاة ما حققه مع الأبيض ابن البلد «المعلم» مهدي علي، إلا أن ذلك لا ينال، لا من كونيتهم، ولا من كفاءتهم، ولا يقلل أبداً من بُعد نظر من اختاروهم، وقتذاك، ربابنة فنيين للأبيض، ما دام أن عقدة النجاح لم تكن بيدهم، والقصد أن منتخب الإمارات هو نتاج لعمل ينجز في العمق من خلال الأندية، بمدارسها وأكاديمياتها.
والحال، أننا وقفنا على حقيقة أن ما يقوله مدرب يكرره من يأتي بعده.. وهي أن اللاعب الإماراتي موهوب بالفطرة، ولكنه أبعد ما يكون، تكتيكياً وذهنياً، عن ضرورات وحتميات كرة المستوى العالي، فليس بالفطرة ولا بالموهبة وحدهما، يمكن للاعب أن يؤدي الوظائف الصعبة والمعقدة، بل والمتشابكة، التي تفرضها كرة القدم الحديثة فرض عين.
والكولومبي خورخي لويس بينتو الذي يأتي اليوم للإمارات، ليخوض تجربته الفنية والتدريبية الأولى خارج الأميركتين، وتحديداً بمنطقة الخليج العربي، سيكون حتماً نسخة كربونية من كل المدربين الذين تعاقبوا على العارضة التقنية للأبيض، في ثوابت وبدهيات الفكر الكروي، في شساعة المتخيل التكتيكي، وفي قوة الطموح لتحقيق النجاح، ولو في بيئة كروية جديدة عليه، إلا أن ما سيساعده على رفع التحديات، وبالخصوص على تحريك مخزونه الإبداعي لابتكار أسلوب حياة جديد للأبيض، أن يكون مشروعه جزءاً لا يتجزأ من استراتيجية، آمل أن يكون الاتحاد الإماراتي لكرة القدم قد اهتدى إليها بعد خلواته الأخيرة، استراتيجية عمادها الفكري والفني، أن الأبيض هو امتداد لعمل علمي ومعقلن واحترافي ينجز على مستوى الأندية، فلا خير ننتظره من منتخب قومي لا يستمد وجوده من الأندية، حتى لو جاءنا ربان الأبيض من كولومبيا.