قبل تفشي فيروس كورونا المستجد في العالم، أطلقت الإمارات «الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي» في 2018، وترتكز إلى تسهيل تجارة الغذاء، وتنويع مصادر استيراده، وتحديد خطط توريد بديلة، مع استمرار توسيع الاعتماد على الذات في زراعة أصناف غذائية، وتحقيق أقصى استفادة من إمكانات الدولة التكنولوجية في الإنتاج والتوسع فيه، وضمان استدامته.
غير أن الجائحة أظهرت مجدداً أهمية الالتفات إلى ملف الغذاء في العالم، لا سيما أن تبعاتها هددت أكثر من دولة بالمجاعات، والنقص الحاد في المواد الغذائية الأساسية، بعدما فرض الحظر والإغلاقات تحديات صعبة على سلاسل توريد السلع الاستهلاكية، واضطرت شركات كبرى إلى تعليق أعمالها، لإصابة المئات من عمالها وموظفيها بالفيروس، كما تعرضت أسواق دول كثيرة إلى نقص في بعض الأنواع الغذائية، خلال الشهور الماضية.
ولاحظنا أن الدول التي تمتلك بنية زراعية قوية، أو تتبنى سياسات إنتاج واستيراد عالية الاستدامة، تمكنت من التكيف مع نتائج الجائحة على مجتمعاتها وأسواقها، على نحو ساعدها في التركيز على برامج مكافحة الفيروس وإبطاء انتشاره وعلاج المصابين به، وفي موازاة ذلك، إدامة الاحتياجات الأساسية للسكان، في وقت فرضت فيه تدابير الفيروس إغلاقات وحظراً على مرافق تجارية كثيرة.
الإمدادات الغذائية إلى الإمارات، لم تتأثر في شهور الوباء الأخيرة، وقد اكتسبنا مع العالم مزيداً من الخبرة للتعامل مع الشهور المقبلة في مسار المرض، ونتجه الآن إلى أكثر الخطط والوسائل العلمية الحديثة تطوراً في تأسيس قواعد للإنتاج الزراعي، تكون أساساً للأمن الوطني الذاتي، وتساعدنا على مواجهة الظروف الطبيعية، لتحقيق طموحاتنا في التغلب على كل صعوبات إنتاج ثروة خضراء في أرضنا، وتقليل الاعتماد تدريجياً على الاستيراد.
وفي هذا السياق، فإن «النظام الوطني للزراعة المستدامة» الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، يهدف إلى زيادة نسبة الاكتفاء الذاتي في الدولة من المحاصيل الزراعية وزيادة القوى العاملة في المجال الزراعي، من خلال الاستثمار في مجالات زراعية جديدة، باستخدام أحدث الوسائل التقنية الحديثة التي تكفل ديمومة الإنتاج الذاتي، وكذلك نوعيته، وزيادته بنحو 5% سنوياً، سعياً لأعلى نسبة من الاكتفاء، وتلبية حاجات السوق، بموارد محلية.
كذلك، اعتمد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، مؤخراً مليار درهم «لاستقطاب شراكات عالمية تدعم جهود الإمارات في البحث العلمي والتطوير في مجال التكنولوجيا الزراعية»، وقال سموه «نتطلع إلى جعل أبوظبي مركزاً عالمياً رائداً للابتكار الزراعي في البيئات الصحراوية».
بذلك، تكون الإمارات قد تحوطت لأزمات الغذاء في المستقبل، وتهيأت لها بمواردها وإمكاناتها المادية والبشرية، من أجل موقع بين أفضل الدول في «مؤشر الأمن الغذائي العالمي» بحلول العام 2051.