في يوم من الأيام سوف تجلس الأسر، وسوف تدور الأحاديث حول وباء كورونا، وسوف تبرز مشاهد جمّة أمام شاشة العقول، وسوف يسرد كل واحد قصة، ويبوح بحكاية، وما أجملها من سير رغم فجاجتها، لأنها ستكون من ملفات ماضوية، تخرج من أدراج الذاكرة، لتصبح محل فكاهة، وضحك، وطرائف.
هكذا سوف تطرأ على بال كل من عايشوا هذا الظرف، وكل من تململوا ساعات المنع الاضطراري، وسوف يعرف هؤلاء الذين ضجروا، وتذمروا، وتبرموا مدى قيمة الجلوس خلف الجدران، وعدم الخروج إلى الشارع، سيعرف هؤلاء أن الحكمة في ذلك، كانت لأجل أن يصلوا إلى يوم يستعيدون فيه الذاكرة، ويلونون قماشتها بصور خرافية مبهجة.
في هذا اليوم الذي يتم فيه تقليب صفحات الدفتر، والبحث عن قصة حميلة، يكون الناس قد شكروا كل من ضحّوا من أجلهم، وكل من عرضوا أنفسهم للخطر، من أجل أن يحيا الآخرون، وكل من سهر لننام، وتعب لنرتاح، وشقي لنسعد، وترك أسرته وحيدة البيت تنتظر عودته سالماً ليلتئم شمل الآخرين.
سوف نتذكر هذه الصور الخلابة لرجال من هذا الوطن، ونساء تصدوا للمعضلة الكونية بقلوب ملؤها الإيمان بأن حماية الوطن أمانة، ورعاية المواطن مسؤولية والتزام أخلاقي، ووطني، وديني، وإنساني، سنتذكر هذه الهبّة من جميع المؤسسات في بلادنا، ونحن ممتنون لهذه الأيدي الطاهرة التي طبّبت، وداوت، وكانت بلسم شفاء، ومبسم سعادة لكل من عاش تحت وطأة الجائحة.
سوف نتذكر، وهذه الذاكرة هي حقيبة سفرنا في هذه الحياة، وهي محفظتنا التي تخبئ فيها كل ما يزهر القلب ويبهر العقل، ويجعل الروح راحة تغتسل من نهر البلاغة، والنبوغ، يجعلنا نسعد، ونفتخر بأننا ننتمي إلى وطن أبناؤه خلايا نحل، وعناقيد نخلة، وأركان خيمة الأمل، إذا ما اشتدت ريح، كانوا هم الوتد، وكانوا الوعد والعهد، وكانوا المد والمدى، وكانوا المداد والامتداد، وكانوا الأمد الممتد إلى الأبد.
كل ذلك يجعلنا بذاكرة تحيك قماشتها بخيوط من حرير، وتلون قميصها من موجة الفرح، وتزهر في الوجود، الجبين، اللجين، وتسفر في الحياة نجمة تسير على جفني غيمة.
كل ذلك يجعلنا نجلل كتاب التاريخ بأسماء حروفها من رمل الصحراء، وألقابها من سمات الغافة المبجلة.
كل ذلك يلهمنا نعيم الأحلام الزاهية، ويسكبنا في فنجان الحياة فوحاً، مقنداً بزعفران العفوية.