«قيامة البنادق».. يحكي مرحلة من أشد مراحل الصراع إيلاماً في منطقة بلاد الشام، ما بين الثوار الوطنيين من جهة، والوجود التركي والانتدابين الفرنسي والبريطاني من جهة أخرى، ابتداء من عام 1912 وحتى عام 1926 م. وهو مسلسل درامي لبناني يعرض وثائق تاريخية معاصرة، يقع في ثلاثين حلقة تلفزيونية ويعرض طوال شهر رمضان المبارك. يعتمد «قيامة البنادق» في أحداثه وشخصياته على وقائع حقيقية متضمناً خطوطاً افتراضية لضرورات البناء الدرامي والتشويق ومبيناً الجوانب التراثية والفلكلورية مظهراً العادات والتقاليد التي كانت سائدة آنذاك، متخذا من لبنان عموماً نقطة ارتكاز حدثية وجغرافية محورية لتنطلق منه نحو سوريا وفلسطين والأردن، ذلك لارتباطها الجوهري فيما بينهما مضيئاً على أبرز الأحداث وأشهر الشخصيات الثورية والعلمية والعسكرية. مأساة جبل عامل وتتمحور خطوط المسلسل حول أوضاع جبل عامل ومحيطه الجغرافي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي ربطاً بما تمخضت عنه الحرب العالمية الأولى التي أنهت الحكم العثماني في المنطقة وما تلاها من تحولات سياسية واجتماعية وفكرية وبروز الحراك الغربي الذي تمظهر بالاستعمارين الفرنسي والبريطاني وتكريسه فيما بعد ما عرف باتفاقية «سايكس بيكو» والذي كان من نتائجه تقسيم الدول العربية وضم جبل عامل الى دولة لبنان الكبير، كما ويظهر المسلسل رأس المخطط الصهيوني حيال فلسطين وبداية تكون نواة المستوطنات ودور الاستعمارين الفرنسي والانجليزي على هذا الصعيد من خلال «وعد بلفور». وقد أرخت التطورات السياسية تلك ظلالها الثقيلة على منطقة جبل عامل والبلاد العربية المجاورة ضروباً من الويلات والمآسي الاجتماعية الكبرى، حيث مارس المستعمرون أشد أنواع التنكيل وزرع الفتن المتنقلة، لتولد من رحم تلك المعاناة عدة أشكال من العمل المقاوم للخروج من الواقع المرير، حيث ساندت الحركة العربية يوم كانت تمثل الخلاص من كل وجود استعماري. وكان الثمن لذلك كبيراً جداً على العامليين، من تجنيد إجباري وأعمال السخرة التي كان للعامليين فيها عرق ودماء. أما الجوع والتشريد والأمراض والنكبات الاقتصادية فكانت كلها من المظاهر المألوفة. فبعد ان أخذت المجاعة من العامليين بعد استئثار الاتراك بخيرات جبل عامل لتوفير مقومات مجهودهم الحربي وانتصار الحلفاء، وأمل اللبنانيون خيراً بانتصار الحلفاء ودخولهم الى بلاد الشام في الحرب الأولى لكن هذا الأمل لم يدم كثيراً، إذ تعامل الفرنسيون معهم بشكل متطرف وتمادوا بأشكال الممارسات الاستعمارية حيث أرادت سلطات الاحتلال أن تجعل هذا الجبل يدفع ثمن تعلقه بعروبته وقوميته التي كانت مواقف أهله بمجملها مؤيدة للوحدة السورية والعربية، فشهدت فترة الاحتلال الكثير من الهزات السياسية والأعمال العسكرية التي كان يقوم بها مقاومون مناهضون للفرنسيين.. فالحملة الفرنسية التي قادها «نيجر» على جبل عامل وما تركته من دمار وفقر وتشريد، قطعت أي أمل للعامليين في الوحدة السورية وجعلت بنتائجها المباشرة من هذا الجبل قسماً من أقسام دولة لبنان الكبير محققة بذلك الحلم الاستعماري الفرنسي البريطاني الذي تمظهر بتقسيم العالم العربي الى عدة دويلات. قتل جندي تركي وتنطلق أحداث العمل بعد قيام حامد بقتل جندي تركي أثناء تصادم بينهما في أحد أطراف القرية وفراره من القرية، بالتوازي مع اعتقال القوة التركية لحبيبته وخطيبته سعاد التي تعمل مع رفيقتها عليا ابنة أبي حيدر أحد أعيان المالكية على تهريب الأسلحة للثوار.. وبينما سعاد محتجزة وتتعرض للتحقيق في سرايا مرجعيون، تبدأ الأحداث الموازية على عوائل القرية الرئيسية كعائلات أبي سالم وأبي مالك وأبي نعيم ووائل بك وعاطف وعائلة أبي حيدر مع أبنائه الأربعة ليعملوا مع ثوار جبل عامل وثوار المناطق الأخرى في البقاع وفي الجولان وسلطان باشا الأطرش في جبل العرب ويوسف العظمة والسيد عبد الحسين شرف الدين. يأتي كل ذلك إثر نزوح ابي حيدر وعائلته وتشتتهم بعد فتنة يقوم بها المهاجر اليهودي سمعان، وهو أحد منسقي عملية الهجرة اليهودية إلى مستعمرة الخالصة المحاذية للمالكية حيث تفضي فتنته هذه الى صراع ما بين عائلات القرية.. وشعر اللبنانيون أن الأوضاع في ظل وجود الفرنسيين هي نفسها على ما كانت عليه أثناء الوجود التركي، باستثناء التقلبات التي طالت بعض الشخصيات المؤيدة للإقطاع السياسي الذي يمثل نهج المصالح الشخصية والمرتبط بالوجود التركي سابقا وبالفرنسي والانجليزي لاحقاً.. ومن خلال الأحداث تظهر شخصية «القرمش» الذي ينتمي إلى أصول غير عربية والذي كان المستوطنون قد قتلوا أهله فاستقدمه أبو نعيم ورعاه كولد له.. قبل أن يجنده الأتراك ليكون معاونهم السري. ضريبة الدم والاقصاء وككل صراع وكل ثورة تدفع من قادتها وأفرادها ضريبة الدم والاقصاء، فان العديد ممن أذنوا للثورة ودقوا أجراس الحرية ارتقوا شهداء لينتهي العمل نهاية مفتوحة على الأمل بانطلاق ثورة جديدة لم يطل الوقت حتى أطلق سلطان باشا الاطرش شرارتها قبل ان تخمد النفوس وتتراخى الهمم. ويروي المسلسل العديد من قصص تلك الحقبة أبرزها حركة المهاجرين اليهود، الذين تكبدوا خسائر مادية ومعنوية كبرى كادت تأتي على حلمهم في غير مكان وفرصة، كما يضيء على جوانب اجتماعية وعاطفية ووجدانية عديدة ، تختلط فيها أرقى مراتب الفروسية والحب والايثار المجبول بمرارة الواقع وحلاوة الإباء والأنفة . يشارك في المسلسل الفنانون أحمد الزين، عمار شلق، باسم مغنية، بيار داغر، مجدي مشموشي، ختام اللحام والسا زغيب من لبنان نسرين الحكيم، عمار رضوان من سوريا وليد سعد الدين ومحمد عيد رمضان من فلسطين وغيرهم الكثير من نجوم الشاشة اللبنانية الصغيرة، من تأليف وسيناريو وحوار محمد النابلسي وإخراج عمار رضوان.