الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عن العدالة الأميركية - الكندية

13 أكتوبر 2012
وأخيراً أُعيـد ذلـك الطفـل إلى وطنه وهـو أصغر سجناء أحد أسوأ السجون في العصر الحاضر "جوانتانامو"، بعدما شغلت حكايته الرأي العام وكتبت آلاف الصفحات وسجلت مئات البرامج والأحاديث في الولايات المتحدة وكندا عن قضيته، وربما ستظل "حكايته" تروى إلى عقود قادمة من الزمن. لقد أعادت الولايات المتحدة عمر خضر إلى موطن ميلاده بعد مماحكات ومناورات وتخلصت إدارة الرئيس أوباما من هذا (الصداع) وتركته إلى كندا (وطنه) لتتحمل كندا هي الأخرى جزءاً من هذا "الصداع"، وإن كانت غير راغبة فيه ولا مرحبة به بكل تأكيد. فقبل شروق الشمس يوم السبت الماضي هبطت طائرة حربية أميركية في قاعدة عسكرية ومطار صغير في بلدة كندية صغيرة وكان في انتظارها مسؤولون من مصلحة السجون الكندية وأنزل الشاب الذي أسر في أفغانستان وله من العمر خمسة عشر عاماً بحسب ما تردد (حيث قيل إنه اعتقل ونقل للسجن في يوليو عام 2002). وقد وجد المسؤولون الكنديون أمامهم شاباً تجاوز البلوغ بطبيعة الحال، وتمت عملية التسلم والاستلام وعادت الطائرة الحربية الأميركية إلى مقرها، ونقل عمر إلى سجن مؤقت. ومنذ الصباح الباكر يوم السبت بدأ (الصداع) يأخذ بتلابيب حكومة المحافظين وخاصة وزير الأمن فيها الذي لم يخفِ عدم رضاه وعدم رغبته في وجود هذا "الإرهابي الخطير" وشمل غضبه وانزعاجه أسرة عمر (أمه وأخته)، وعبر عن كل هذا في تصريح منشور أعلن فيه أن إعادة عمر ووجود والدته وأخته (المواطنتين الكنديتين) تشكل له هماً خاصاً لأن هذه الأسرة لم تخفِ ميولها المتشددة، بل إن والدته قد صرحت بأنها "فخورة" بما قام به! وبسرعة بدأت الصحافة المنشورة مسلسل الكتابة عن "مأساة" الطفل الكندي الذي ظل هو آخر مواطن غربي معتقل في ذلك السجن المثير للجدل. وكتبت صحيفة "تورنتوستار" في كلمة المحرر مقالاً صبيحة إعادته، قالت فيه إن عمر قد دفع ثمن الجريمة التي اتهم بها ووافق على الاعتراف بها في صفقة خارج قاعة المحكمة. من هنا ذهبت الصحيفة قائلة: "إن من حقه الآن كأي مواطن كندي قضى ثلثي المدة المحكوم بها عليه أن تفرج عنه الحكومة الكندية، ومن حقه على الدولة أن تعيد تأهيله ليصبح مواطناً صالحاً". وغير "تورنتور ستار" هنالك أيضاً من طالب بمثل هذا المطلب وقطعاً هنالك -بطبيعة الحال- من جارى بل ومارس المزايدة على وزير الأمن. وليس هدف هذا المقال إعادة رواية حكاية ذلك الشاب السجين ما قيل إنه تعرض له من تعذيب وإهانات وضرب، وعن عدم معاملة المحكمة العسكرية التي عرض عليها أول مرة له بما يقتضي القانون الأميركي والقانون الدولي. فقد أغناني عن ذلك بيان صريح أصدره بعد وصوله الأراضي الكندية "مركز الحقوق الدستورية" في نيويورك، إذ وصف البيان معاملة ومحاكمة عمر بأنها "تمثل أقبح الصفحات في تاريخ العدالة الأميركية منذ عقود". وقال مدير المركز القانوني "لم يكن أصلاً أن يعتقل عمر في جوانتانامو، فقد كان طفلاً في الخامسة عشرة من عمره عندما أسر في أفغانستان، واعتقاله وتعذيبه ومحاكمته عمل غير قانوني وغير دستوري، يتحمل مسؤوليته الموظفون الأميركيون". وليس هدف المقال إذن كما قلت إعادة وتكرار الرواية فهي قصة أصبحت معروفة للخاص والعام... ولكن منذ أن جاء إلى تورنتو المقدم القانوني الذي عينته المحكمة محامياً لعمر وتحدث في ندوة مفتوحة وفي أحاديث صحفية وتلفزيونية مطالباً الرأي العام الكندي بالضغط على الحكومة الكندية لكي تعمل من أجل أن تعيد إليها مواطنها عمر لمحاكمته هنا -وكان هذا الرجل قد انسحب من المحكمة، بل واستقال من القوات الأميركية. منذ ذلك الوقت وأنا أتابع مماطلات ومناورات وزراء الأمن في كندا وتهربهم الواضح وعدم رغبتهم في أن يطلبوا إعادة مواطنهم الكندي المولد... مما دعا نواب المعارضة وبعض نواب الحكومة إلى إثارة هذه القضية في مجلس العموم. وفي أثناء متابعاتي تلك كانت بريطانيا وأستراليا قد طلبتا من الإدارة الأميركية تسليمهما بعض مواطنيهما الأسرى في أفغانستان، واستجابت الإدارة الأميركية لذلك الطلب. وكان يلح عليَّ سؤال: ترى لماذا تقف الحكومة الكندية هذا الموقف من ذلك الشاب الذي لم يرتكب أي جرم لا هو ولا أسرته في كندا؟... وكان يراودني شك مدعوم بقضيتين مشهورتين لمواطن كندي من أصل سوري وآخر من أصل سوداني، بأن لهذا الموقف علاقة بما لا يقبله ولا يرضاه الرأي العام الكندي الذي يظل يفخر بأنه صاحب الميثاق والمجتمع المتعدد الأعراق والديانات... إلخ. والآن وقد عاد الطفل (الذي أصبح شاباً) إلى وطنه سننتظر لنرى كيف ستتصرف حكومة المحافظين.. أما إدارة الرئيس أوباما فقد أحسنت إلى نفسها عندما اختارت هذا الوقت وتخلصت من ذلك الصداع المزمن مما سيعود عليها دون شك ببعض الفوائد الانتخابية. عبدالله عبيد حسن كاتب سوداني مقيم في كندا
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©