الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

سواحل- اليولة والحبسة الثقافية

14 فبراير 2007 02:11
إبراهيم مبارك في بحث جميل يقدم الأديب والشاعر عبدالعزيز جاسم رؤيا رائعة في الثقافة بعنوان الحبسة الثقافية، وهذا البحث منظور في فهم المتغير الثقافي، وتأثير الحياة وتغييرها، وما يصاحبها من تأثيرات مادية ومعنوية تلقي بظلالها على حياة الفرد والجماعة والثقافة العامة، بالاضافة إلى أن التحولات السياسية والاقتصادية بالتأكيد تؤثر على الجانب الثقافي والمعرفي والفني، وقد يصل إلى التفتت بل حتى التحوير في الموروث قد يظهر جلياً في الكثير من الشأن العام والخاص، وحتى الثقافة المحلية أيضاً قد أفرغت من روحها الفطرية وطاقتها ومعناها معاً، وقد يصل الأمر إلى أن هناك تحورا وتبدلا في مفهوم التراث وكيفية الاهتمام به، بل حتى العناية بهذا التراث كثيراً ما تصاب بتشوهات، وربما تخرج هذا الموروث ايضاً من معناه الذي يرتكز عليه، وحتى الغايات التي قدمها الإنسان ابن البيئة في هذه المنطقة من الصحراء إلى البحر قد تأثر بالمتغيرات· وربما أصبح ذلك الموروث ليس هو كما قدمه الإنسان القديم في هذه المنطقة، بل هو شيء آخر، لا يشابهه في المظهر أو الباطن ولا في الأداة أو في الحركة أو الجرس الموسيقي، بل إن الكلمة والبراءة الفطرية في النص الذي يحاكي الوجدان والبيئة· وآمال وآلام ذلك المنتمي إلى البيئة وحدها، النص الآن أصبح متسولا جداً!! ومتزلفا يبحث عن الذي يدفع أكثر، هذا ما نلاحظه في بعض نصوص الفنون في هذا الزمن الذي كثر فيه الشحاتون والمرابون والأفاقون الذين يقتاتون من خلف بعض الفنون أو النصوص المغناة، ويمكن أن أطلق على هؤلاء الشعراء الشحاذين!! هل نقول إن هذه الفنون الشعبية والتراثية أو بعضها على الأقل قد أصبحت فنا جديدا ولا يعني تلك الحقبة الماضية، ربما يكون ذلك منطقياً بأن المتغير والتأثير الواقع والمُعاش اليومي يفرض وجوده وتأثيره على هذه الفنون، سواء في الأداء أو الطريقة التي يقدم بها أو الهدف من عرض هذه الفنون، وربما يتبقى فقط الروح أو الجرس الموسيقي لذلك الموروث الثقافي والفني، وأعني بالتحديد الأدوات الموسيقية التي أدخلت على الموروث الفني، وبالتحديد في فن اليولة الذي نشاهده اليوم، لذلك فإن ما ذهب إليه الأديب عبدالعزيز جاسم يظهر جلياً في هذا المثال الحي للمتغير وظاهرة التفتت الثقافي، وعندما يصل في بحثه بأن منطقة الخليج العربي لا تعرف في بعض أجزائها كيف كانت وضعية التراث الشعبي يأتي المثال الذي نقدمه ليؤكد بأن هناك أساليب جديدة وطرقا وأهدافا لتقديم هذه الفنون، ومتى وكيف· ثم إن التغير والتأثِير الاقتصادي والمادي والفني والتقني، لابد أن يطرح وجوده على هذه الفنون، وبالتالي هل نقول إن هذا الفن يمثل التراث تماماً كما يفهمه الآباء والأجداد، وهل هذه الأداة والوسيلة والطريقة التي يتفاعل معها ذلك القديم؟! ثم هل هذا هو التراث فعلاً أو أنه روح التراث أو ظلاله أو شيء يشبهه!! واذا اتفقنا بأن الثقافة والتراث ليسا قيدا مجبورين على أن نلتزم بكل أجزائه الصغيرة عند تقديمه، فإن ادخال الجديد إليه قد يقدم إضاءات جميلة، ولكن إن مست أساسيات تلك الفنون، فإنها بالتأكيد سوف تصبح شيئا آخر! ليس له علاقة بذلك الموروث الثقافي أو الفني· وإحياء لتلك الفنون أو الموروثات الثقافية يظل مسؤولية المؤسسات الثقافية المنوطة بالعناية بالموروث الشعبي، ولعلها وزارة الثقافة وجمعيات الفنون الشعبية أو ماشابه ذلك من جمعيات ودوائر ومؤسسات ظهرت بكثرة في الإمارات، ومعظمها تشتغل على التراث وإحياء هذا التراث كما تقول ولكن بعضها يعتاش على هذه الفنون من خلال الدعم غير محدود وربما لفن واحد بعينه ولاشيء سواه من فنون أخرى، وربما تكون اليولة هي الفن الوحيد الذي ينال كل هذا، لدرجة أن وزير التربية وليس وزير الثقافة اهتم بها وشجع المدارس على أن تقدم مسابقات داخل المدرسة في فن اليولة، على الرغم من أن النظام المدرسي كما يعرف الجميع يمنع أن يكون للطلاب شعر طويل، بل من المعروف أن المدرسة تعاقب الطالب صاحب الشعر الطويل، ولا تقبل غير ذي الشعر القصير أو حليقي الرأس، يمكن كان هذا قديماً والله أعلم الآن·· أعتقد مفهوم دعم وزارة التربية لهذا الفن· بينما ما نشاهده في اليولة والمقدمين لها أو اللاعبين في الحلبة هم من أصحاب الشعور الطويلة جداً، على شكل (ذروه) وربما هو شرط للراقص أو المتسابق أو منفذ رقصة اليولة، وربما كان قديماً ليس بالضرورة أن يكون له شعر طويل ولكن كما تقول الدراسة أو البحث الذي يقدمه الأديب عبدالعزيز جاسم، أن هناك متغيرات تلقي بظلالها وتؤثر بشكل قوي على النواحي الثقافية والتراثية، بحيث لا يكون هذا التراث هو ذلك المنفذ في الماضي تماماً، والذي نعرفه عن اليولة بأنها فن بدوي يقدمه مجموعة من الرجال الذين يقدمون الحربية وعلى أنغامها يجول البعض بالسلاح أو العصي، وهي رقصة شعبية لا يكون بها طبل أو آلة موسيقية، والبدوي يكره الضرب على الطبل وكذلك الموسيقى أو حتى الصفير، حيث يقول إن الصفير يجمع (الحنش) الثعابين والجن، وعادة تكون القصائد غزلية ومثال ذلك·· شلني شلات يالغالي يا شلك· فوق حضن الريم حطني بانام·· الخ آخر للقصائد الغزلية دائماً وأبداً· وقد تصاحب بعض الحربية (النعاشات)، أما الآن لو لم تكن الموسيقى والطبول في اليولة أو الحربية، فإن من المحال أن يجول هؤلاء الشباب، ومحال أن تكون اليولة بهذا التأثير، اذاً هذه اليولة ليست هي تلك التي تمثل التراث تماماً، إنها فن جديد خلقه الملحن الموسيقي، وتنتهي أن دراسة وبحث الأديب عبدالعزيز جاسم واقعياً وصادقاً كما يؤكد ذلك فن اليولة مثالاً· Ibrahim_Mubarak@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©