الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

يوسف القعيد ينحاز للمهمشين في قطار الصعيد

27 ابريل 2005

القاهرة ـ أحمد الجندي: يوسف القعيد روائي مصري من جيل الستينيات الذي لا تزال كتاباته الأدبية والشعرية والنقدية مسيطرة على الساحة·· والقعيد له اسلوبه الذي تفرد به في نقد الواقع الاجتماعي من خلال قصصه ورواياته التي التفتت اليها السينما والتليفزيون في السنوات العشر الاخيرة وتحول بعضها إلى أفلام ومسلسلات ناجحة· وفي أحدث ابداعاته الروائية 'قطار الصعيد' يجسد الحزن العام الذي أصبح يسيطر على معظم قطاعات وفئات المجتمع خصوصا هؤلاء المهمشين· وتدور احداث الرواية حول صحفي يكلف بالسفر إلى الصعيد لتغطية جريمة قتل زوجة لزوجها والوقوف على دوافعها· وخلال رحلة سفره بالقطار نتعرف على شخصية هذا الصحفي من الواقع الاجتماعي المحيط والذي يجعله يعيش حالة من الاغتراب الداخلي· والصحفي هو الراوي للاحداث وعندما يصل إلى هناك يغوص في المجتمع الصعيدي ويرصد كل تفاصيل الواقع هناك ليؤكد ان الصعيد عالم آخر مختلف غير الآثار والتاريخ ويموج بالاحداث ويعود الراوي بعد هذه الرحلة وقد أخذته تماما الحياة هناك ولم يعد الأمر قاصرا على مجرد جريمة قتل ذهب لتغطية احداثها والوصول لحقيقتها· وشهدت القاهرة ندوة لمناقشة وتحليل الرواية ادارها وشارك فيها الناقدان شعبان يوسف و د· حامد أبوأحمد والشاعرة والأديبة د· عبير سلامة·
وقال الشاعر شعبان يوسف: إن يوسف القعيد من أهم من كتبوا الرواية العربية منذ نهاية الستينيات وحتى اليوم· فمنذ روايته الأولى 'الحداد' وحتى روايته الأخيرة 'قطار الصعيد' هناك مشوار أدبي حافل بالعديد من المحطات الابداعية التي اثرت الساحة الادبية وشغلت النقاد واثارت العديد من المعارك النقدية وكلنا يذكر أكثر اعماله اثارة للجدل رواية 'يحدث في مصر الآن' و'الحرب في بر مصر' وقد تحولت الروايتان إلى أفلام سينمائية· واضاف: أهم ما يميز ابداع يوسف القعيد رصده للواقع الاجتماعي بدقة وبواقعية استقاها وتشربها تماما من استاذه نجيب محفوظ وهذا للصلة الوثيقة التي ربطت بينهما على مدى ما يزيد على ثلاثين عاما ونجح القعيد رغم تأثره بمحفوظ في ان يكون له أسلوبه الخاص وحسه الادبي المميز الذي يعد من أهم سماته كمبدع·
سن اليأس
وقال ان القعيد رغم تجاوزه لما يقرب من ثلاثة عقود زمنية كمبدع الا انه لم يصل إلى سن اليأس الابداعي وهي المرحلة التي يمر بها معظم المبدعين ويتوقفون بعدها لفترة·· لكن القعيد بما يملكه من تجدد في الافكار ومعايشة مستمرة للبسطاء والكادحين والمهمشين في المجتمع الذين نراهم بوضوح في أعماله مازال يبدع ومازال مستمرا في عطائه ويظل مطروحا بقوة كواحد من أهم الروائيين العرب في الوقت الحالي· وقال د· حامد أبوأحمد: راوي هذه الرواية وبطلها طُلب منه السفر إلى الصعيد من أجل التغطية الصحفية لجريمة قتل ومنذ تحرك من منزله في القاهرة في الصباح الباكر بدأ بعين ناقدة يرصد الحياة ويطرح مجموعة من التصورات والتطورات التي حدثت في المجتمع ليكتشف ان كل شيء هادئ رتيب ولا يوجد جديد يحدث بعد ذلك يتحدث عن اغتراب يعاني منه وهي حالة موجودة عند الكل· واضاف ان الراوي تعمد ان يركب الدرجة الثالثة في القطار حتى يكون قريبا من البسطاء ويتذكر كيف عاش في القاهرة هذه المدينة الكبيرة المزدحمة منذ جاء اليها في الستينيات ثم يذهب إلى الصعيد ليكشف عن هذا العالم خاصة في مدينة 'أبنوب'·
والرواية قد يتبادر للذهن انها عن الصعيد لكنها عن مصر كلها فهي تضم احداثا عامة والوصف فيها غير تقليدي وغير عادي واستخدم القعيد في عمله الابداعي هذا أكثر من حدوتة داخل الحدوتة وهو بارع في هذا تماما· وأشار الى ان الراوي عندما يعود للقاهرة يتحدث عن نفسه بانه مهزوم حتى النخاع والرؤية من حوله سوداء والشخصية المهزومة هنا استمرار لملامح عديدة ظهرت كثيرا في الادب العربي في السنوات الأخيرة ويجسدها على انها أصبحت -أي الهزيمة- احساسا عاما عند الناس· وأكد ان الرواية حفلت بالعديد من الشخصيات التي يعرفها الناس مثل شخصية عبدالناصر والجدل الذي اثير حولها كزعيم التف الناس حوله وكان له تأثير كبير في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في مصر كما تحدث عن نفس الأثر الذي احدثته شخصية 'الخُط' في الصعيد· ويمكن القول ان الرواية بانوراما شاملة للواقع الاجتماعي في مصر على مدى 20 عاما· وأضاف ان بالرواية تفسيرات وتأويلات متعددة وكل فصل فيها له عنوان منفصل مرتبط بالتراث الذي يراه المؤلف جزءا مهما من التاريخ·· كما ان الرواية تثير التساؤل عن العلاقة بين الشمال والجنوب وفي كل انحاء العالم عادة ما يكون الشمال هو الأكثر ثراء ووفرة· لكن القعيد هنا لم يعتمد على هذه النتيجة أو يعقد هذه المقارنة بقدر اهتمامه بطرح زمني للمجتمع· وقالت د· عبير سلامة: عندما نسمع أو نقرأ عنوان الرواية يتبادر للذهن حادثة قطار الصعيد الشهيرة ولكن عندما نتصفح نجد حوادث واحداثا مختلفة لا تقل مأساوية عنها· وسنجد بالاضافة إلى هذه الحوادث راويا متميزا للغاية وازعم انني قارئة جيدة لابداع يوسف القعيد لكني وجدت تكوينا مختلفا لهذه الرواية فهو صحفي وروائي وكل منهما يعمل باتجاه مختلف والروائي هنا يتغلب على الصحفي فيجعل الكلمة الأولى والأخيرة في هذا النص له· وقالت ان الراوي في 'قطار الصعيد' يروي الخيانة على المستوى السياسي والاجتماعي واحداث العنف في الصعيد ومصر والدافع المبدئي له· هو صحفي ذهب للصعيد ليغطي جريمة قتل والرحلة نفسها فُرضت عليه ووجدها محاولة للخروج من أزمته النفسية واغترابه وهناك يكتشف ان الأمر ليس مجرد جريمة قتل بل حياة كاملة يعيشها هذا المجتمع الجنوبي وتعيشها مصر كلها· علاقة مع المرأة واوضحت ان الراوي هنا ليس مغامرا ولا رحالة لكنه شخص بسيط له احزانه ومتاعبه فهو بالاضافة إلى غربته الداخلية منطو ومحروم وعلاقته بالمرأة بها احتياج شديد ويركز على الدوافع الجنسية في كل ما يراه·· وفي النهاية تفشل الرحلة على المستوى المهني حيث يعود دون الاكتفاء بالسبب الوحيد الذي ذهب إليه لانه يجد هناك ما هو أفظع من جريمة قتل امرأة لرجل· ولم يخرج الراوي من أزمته بل عاد بحالة نفسية اسوأ· وقالت: هناك تناقض ظاهر ومحسوس في شخصية الراوي فهو منظم شديد الحرص وشديد الشك لكنه يمضي في حياته دون منهج أو طموح أو أحلام ويعتقد ان كل ما يحتاج اليه في الحياة ان يظل قادرا على الفضول وطرح الاسئلة·· ونجده لا يطرح اسئلة بل يكتفي باستخدام اجابات الآخرين على عكس ما يريد أو ما هو مطلوب منه والمفروض ان يكون أكثر تأملا وأكثر تحريضا·· لذلك نجد الاخرين الاقل منه وعيا وثقافة يأخذونه إلى منطقهم· واضافت ان الايحاء بالحل والخلاص على اعتبار ان 'خُط' الصعيد لم يكن مجرما بل قديسا يحلق في السماء -كما تصوره الراوي- ليس حلا مثاليا ولا خلاصا حقيقيا·· وان كان هذا التصور يطرح العديد من الاسئلة مثل لماذا هناك المرأة والدوافع الجنسية في الجرائم خاصة جرائم الثأر وما سر الاهتمام المبالغ فيه بالرجولة بالصعيد؟ ولماذا تظل الامكانية المتاحة امام الراوي للوصول إلى عمق الاشياء غائبة طوال الرواية رغم ان الواقع خصب للغاية؟ انها اسئلة تطرحها الرواية من خلال أبعاد فلسفية ونفسية ويتركها المؤلف دون اجابة وربما كان هذا مقصودا من جانبه للتدليل على ان قمة حيرة الانسان ألا يجد اجابة لكل التساؤلات· وعقب الروائي يوسف القعيد على هذه المداخلات النقدية قائلا: انا من أصول صعيدية فأبي هاجر إلى الشمال وولدت هناك في بحري وعندما ذهبت إلى مدينة 'جرجا' في الصعيد وجدت 42 ألف نسمة يحملون لقب 'القعيد' فنحن فرع من فروع قبيلة عربية جاءت إلى مصر لذلك لم يكن غريبا ان اكتب عن الصعيد في اعمالي الأدبية· لكني رغم ذلك تهيبت كثيرا أثناء كتابتي لهذا النص الروائي لاسباب وهواجس خفية في داخلي· واضاف: القضية في هذا العمل ليست مجرد جريمة قتل رجل على يد امرأة بل حاولت ان اطرح حيزا زمنيا لهذا المجتمع بكل ما حواه من أحداث سياسية واجتماعية فالرواية لا يمكن اغفال بعدها السياسي فقد يكون هذا مطروحا لكن بشكل غير مباشر· كما ان البعد الديني والعقائدي في الرواية موجود ولم اتطرق للعلاقة بين الإسلام والمسيحية رغم ان الزوجة المسيحية تقتل عشيقها المسلم· وقال: تعمدت وجود التراث بقوة خلال النص فعناوين الفصول تراثية وبها غناء تراثي وهناك شخصيات مثل 'عنترة بن شداد' و'الخُط' وهي شخصية مازالت موجودة حتى الان في التراث الشعبي في الصعيد·· وتعمدت الحديث بشكل معلوماتي عن السلاح في الصعيد وعدده وأماكن تجميعه وتواجده لان البندقية بالنسبة للرجل الصعيدي لا تقل أهمية في حياته عن ابنائه·· وهناك أشياء عديدة في النص يجب ان يكتشفها القاريء وليست مهمتي شرحها أو الاشارة إليها·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©