الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خطوة واحدة متأخرة دائما

خطوة واحدة متأخرة دائما
7 أكتوبر 2011 22:10
اكتشفت أنني لستُ من الطلائع أو الفاتحين في أي شيء، ولستُ من الكوكبة التي تتقدم الصفوف، وإنما أعيش متخلفا بخطوة واحدة دائما، وحين أخطوها أكتشف أنهم تقدموا خطوة أخرى. أذكر في أواخر تسعينيات القرن الماضي حين كنت مع صديق لي نحتسي القهوة في «كوفي شوب»، فقال إنه تعرف إلى أشخاص يعيشون في أوروبا وأميركا، وللدقة، قال إنه تعرف إلى فتيات، فاستغربت من غبائه اللا محدود، فكيف يضيع نقوده على إجراء مكالمات دولية مع فتيات، حتى لو كن في جمال «ديانا»؟ لكنه ضحك مني واصطحبني إلى مكان فيه عشرات أجهزة الكمبيوتر، وكنت أعرف عن وجود هذا الاختراع لكن لم أكن قد تعاملت معه بعد، وجلس إلى جهاز منها بعد أن دفع مبلغا من المال لصاحب المكان، وبعد قليل رأيته يضع سيجارة في فمه ثم يكتب بالإنجليزية كلاما لطيفا، ثم ما إن يتلاشى الدخان الذي نفثه في اتجاه الشاشة، يصله رد لطيف بطريقة غريبة، فسألته وأنا أحك رأسي: هل هذا هو الإنترنت؟ وبقي كل مَن هم حولي، أو في عمري، يتحدثون عن الإنترنت وأنا أجلس بينهم كالغبي، وللأمانة، من غير حرف التشبيه، فقد كنت كذلك فعلاً، لأنني لم أكن أعرف أي شيء مما يقولونه، فبينما أتحدث معهم عن لعب الطاولة، وأنواع المعسل، ومقالب أيام المدرسة، يتحدثون هم فيما بينهم بطريقة الألغاز، فهذا عنده «دايل أب». والثاني حرك «الماوس»، والثالث «داون لود»، والرابع يفكر في إنشاء «ويب سايت»، والخامس يعتب عليهم لأنهم لم يردوا على «الإيميل»، وبين الحين والآخر دخلوا جميعا إلى «شات»، وخرجوا منه من دون أن يتعرضوا للأذى. بقيت سنوات أسمع ذلك الهراء الغريب، وأذكر مرة أنني كنت أستمع إلى برنامج إذاعي، وإذا بالمذيعة تقول: يمكنكم زيارة موقعنا الإلكتروني: (.com...www.)، لكنها ذكرت الموقع بسرعة وقبل أن أفكر في كتابته، فقررت الاستماع إلى البرنامج في اليوم التالي لأسجل العنوان بدقة. في اليوم التالي كنت متأهبا والقلم بيدي، وما إن بدأت المذيعة في ذكر الموقع، كتبت بالحرف الواحد: (wwwdot)، وبالطبع، كانت المذيعة تودع المستمعين وأنا أحاول تذكر بقية ما قالته. وأخيرا دخلت عالم الإنترنت، وعرفت معنى كل ما كانوا يقولونه، لكنهم لم يعودوا يقولون مثل تلك الأشياء، وحماسهم كان يخف تدريجيا، وأصبح «الشات» لا يُذكر إلا في المناسبات، ودخلت على الخط لكنني كنت أتحدث وحيدا، فكل ما أقوله كان من الماضي السحيق. وحدث مثل هذا حين كان الناس يتباهون بامتلاك هاتف «بلاك بيري»، وكانوا يتراسلون من خلاله، وينشرون الشائعات والنكات والأخبار، وكان أكثر الناس يمشون في «المولات» ويتسبّبون في وقوع حوادث بشرية نتيجة الانهماك في الكتابة والضحك بلا سبب. وكان هناك سبب لكنني لم أكن أعرفه، فقد كنت أحمل في يدي هاتفا يعاني من تخلف عقلي، وأحاول تجنّب الاصطدام بمئات الأشخاص من حولي ممن لوث «البلاك بيري» عقولهم. واستمرت موجة «البلاك بيري» فترة وانتهت، وأعتقد أنها انتهت في اليوم الذي اقتنيت فيه هذا الجهاز الذي صار من الآثار الإغريقية. وحين كان روّاد المقاهي الراقية ينقرون بأصابعهم على أجهزة الكمبيوتر المحمول، كنت أجلس بالقرب منهم أخط بالقلم على أوراق بيضاء، كأنني في القرون الوسطى أكتب على ضوء شمعة وفي يدي ريشة وأمامي محبرة. وحين صاروا يحملون كمبيوترات بحجم الكف، صرت أدخل عليهم حاملاً كمبيوتر من الحجم العائلي. واليوم أجدهم يقرأون الكتب من خلال أجهزة صغيرة، بينما أحمل معي كتبا ورقية. وحين سيتركون تلك الأجهزة ويقرأون من خلال تقنية عرض الكتاب أمام عيني القارئ عبر شاشة غير مرئية، كما في استديو الأخبار، فيقعد الواحد منهم محدقا في الفراغ يقرأ إلى ما شاء الله، سأزاحمهم بجهاز قارئ كتب إلكتروني. وقل مثل هذا التأخر في جميع مناحي الحياة، فسيارتي الحالية هي في الحقيقة كانت حلما لأحد أشقائي، وقد حقق حلمه قبل سنوات طويلة، وانتقل إلى حلم آخر، وحققه أيضا، وهو الآن يفكر بالحلم الثالث، وأنا لا زلت أعيش حلمه الذي أصبح حلمي الأوحد. ومنذ سنوات قليلة ظهرت موضة ارتداء نعال ضخم يشبه القارب، وكلما وجدت أصحاب القوارب يبحرون أمامي، فكّرت في خوض البحر معهم، لكنني لن أفعل إلا حين يصبح ذلك النعال من الآثار التاريخية، بينما الناس يرتدون نعالات على شكل إطارات مزوّدة بمحركات نفاثة. وحين ظهرت موضة تخفيف الشارب واللحية، كنت لا أزال أحتفظ بشارب يشبه المكنسة اليدوية. وحين لحقت بهم وأصـــبح شاربي مجرد غبار على وجهي، وجدتهم يتحــدثون عن أجهزة الليزر التي تستأصل الشعر من جذوره، وعن عمليات تنعيم الوجه وتقشــيره وتفتيحه. وأخـــشى أن يعود الناس إلى موضة اللحى والشوارب الكثيفة، حين أكون في عيادة تجــــميل بــين يدي طبيب مايكل جاكسون. أحمد أميري me@ahmedamiri.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©