الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كتابات نوبة الحراسة

كتابات نوبة الحراسة
29 ديسمبر 2010 20:29
عبدالحكيم قاسم روائي مصري متميز، قليل الانتاج، قصير العمر، ولد عام 1935 لاسرة ريفية في مدينة طنطا وقضى طفولته في ريف ميت غمر بيت جده لأمه، وكان من الذين اصابهم الاعتقال عام 1959 وبقي حتى عام 1964. وكان اعتقاله على ذمة الشيوعيين، فيما يؤكد بعض اصدقائه انه لم تكن له صلة تنظيمية باليسار بل كان اقرب الى جماعة الاخوان المسلمين لكن بعض الرفاق اكدوا انه كان منخرطا في احد التنظيمات اليسارية الماركسية. خاض عبدالحكيم انتخابات البرلمان المصري عام 1987 مرشحا عن حزب “التجمع” ومني بخسارة شديدة اصيب على اثرها بجلطة في المخ أورثته شللا نصفيا، عاق يده عن الكتابة، وتوفى عام 1990 مخلفا واراءه عدة اعمال جيدة مثل “ايام الانسان السبعة” وغيرها. ومازالت روايته الاولى تطبع الى اليوم. عبدالحكيم يصنف نقديا ضمن ما يعرف باسم جيل الستينيات حيث صدرت روايته الاولى 1968 وشهدت تلك السنوات بروز اسماء عدة أمثال بهاء طاهر وابراهيم اصلان وسعيد الكفراوي وغيرهم. وقد عكف الناقد والباحث محمد شعير على رسائل عبدالحكيم قاسم وتمكن من جمعها وصدرت مؤخرا في كتاب حمل عنوان “كتابات نوبة الحراسة.. رسائل عبدالحكيم قاسم”. حوار على ورق يشتمل الكتاب على عدد كبير من رسائل عبدالحكيم الى عدد من اصدقائه وشقيقه جمعها الباحث منهم لكن ليس بين هذه الرسائل اي رسالة اليه، فقط الرسائل التي كتبها هو. ومعظمها تتناول القضايا العامة وحضور الشأن الخاص فيها ليس كبيرا، سواء تعلق ذلك الخاص به هو أو بمن يرسل اليه ويبعث برسائله. ويبدو من هذه الرسائل ان هناك رسائل اخرى كثيرة كتبها عبدالحكيم وبعث بها الى اخرين. ونلاحظ أنه كتب معظمها وهو في المانيا وكان لديه احساس بالوحدة وبالغربة ولم تكن الاتصالات التليفونية آنذاك ميسرة ـ سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي ـ ولا كانت هناك وسائل الاتصال الحديثة لذا كان يكتب ويثير نقاشات مع اصدقائه على الورق، يعوض فيها غيابه وابتعاده عن محيطه. ورسائل الادباء والمفكرين لم تأخد مكانها بعد في ثقافتنا العربية المعاصرة. لدينا رسائل مي زياد منها واليها من عدد من كبار مفكري عصرها، ورسائل غسان كنفاني وغادة السمان وقيل ان نشر هذه الرسائل اغضب وجرح كثيرا ارملة غسان، وبعض رسائل احسان عبدالقدوس ولما حاولت نشرها غضب نجلاه محمد واحمد كثيرا، ومتاح الان الرسائل الخاصة بالدكتور طه حسين حيث كان سكرتيره وكانت زوجته يحتفظان بها كاملة وسلمت جميعها الى دار الوثائق المصرية وتم نشرها اكثر من مرة. اهمية الرسائل الادبية انها لا تكون مكتوبة للنشر العام بل رسالة الى شخص بعينه لذا يكون فيها النقاش وتبادل الافكار اكثر انفتاحا واتساعا، ويتداول فيها الكتاب ما لا يتمكنون غالبا من اعلانه، وربما تكون الرسائل بروفات لافكار تتم بلورتها قبل طرحها على الرأي العام واحيانا لاتتبلور ولا تكتمل وتكتسب الرسائل اهمية خاصة في حالة المبدعين بمجالي الشعر والرواية، الذين يقدمون افكارهم في اعمال فنية اي لا تطرح مباشرة وفي اطار فكري.. وهذا ما نلمسه في الرسائل التي بين ايدينا، فهو يبعث برسالة الى ادوار الخراط في 20 يونيه 1984 يقول له: “كنت اتابع زيارة ميتران في موسكو وانتخابات البرلمان الاوروبي، وإضراب عمال الصلب والطباعة الالمان، واحداث بيروت، وحرب العراق وايران وغير ذلك... فاذا بعمال الشركة يدخلون غرفتي ويرجونني ان احول الموجة الى اذاعة مباراة الكرة بين المانيا الغربية وإسبانيا التي انتهت بنصر الاخيرة وحل بالعمال حزن قاتل وانصرفوا. ثم ينتقل ليناقش قضية كرة القدم واقبال الجماهير عليها، ونستشف ان لديه تصورا بأن التكنولوجيا والالكترونيات تنمي عصر الجماهير لذا فإن الجماهير تبحث عن امر يشغلها وهو هنا كرة القدم، ثم يقول: “ان الطبقات العليا في مجتمعات العالم تتطور الان بسرعة مخيفة ونتيجة للوصول الى اكتشاف الكهارب المجهرية Micro Elctronic فإن العالم الان يضيق بالجماهير في عمليات الانتاج والتطوير، وانني لأتخيل الآن العمليات التي ستتم لحل التنظيمات الحركية ولحل التجمعات الجماهيرية في كل مكان. ان ذلك سيكون تطورا اكثر بشاعة من ذلك الذي ادى الى نشأة هذه الكتل تاريخيا”... وما تخيله عبدالحكيم عام 1984 تحقق بالفعل بعد ذلك بفترة وجيزة مع سقوط حائط برلين وانهيار الاتحاد السوفيتي. لا وقت للملاحم وفي رسالة اخرى - لكن اسبق من رسالته الى الخراط - بعث بها الى سامي خشبة في 13 مارس 1978، وكان سامي خشبة مشغولا بالبحث عن نظرية قومية مصرية وعربية للدراما وكان يفتش عنها في الملاحم الشعبية خاصة ملحمة ابي زيد الهلالي والزير سالم، ويتحدث اليه عن ان الملاحم في العالم كله تراجعت وان زمن الملحمة ولى لتحل محلها الرواية، حدث ذلك في اوروبا وتحديدا المانيا وفرنسا وبريطانيا. وفي رأيه انه يحدث كذلك في عالمنا العربي، وعنده ان البحث في تاريخ الادب المصري لا يجب ان يبدأ بالهلالية والزير سالم حتى لو كانت هناك صياغة مصرية لهما ولا يجب ان يبدأ ايضا بالشعر والادب الجاهلي، والبداية الحقة له تكون بالكاتب المصري القديم ويقول: “الشعر الجاهلي بدء رديء ومغلوط لتاريخ الادب العصري”. ويقول أيضاً: “الملحمة اختفت تماما من الادب الغربي في العصور الحديثة بل انها لم تظهر في الادب الانجليزي أو الالماني اصلا إلا في صورة هزيلة بالمقارنة مع الأدب الاغريقي أو عند الفرس أو الهنود، ولقد حلت الرواية الآن كجنس ادبي محل الملحمة التي لم يعد الذوق الحديث ولا قيم المجتمعات القائمة تحتملها”. ويسخر عبدالحكيم من النظريات التي كان يطلقها بعض اليساريين وقتها في مجالات الادب والنقد، ويقول في رسالته الى سامي خشبة: “العالم الشيوعي لم يستطع ان يقدم الادب والآخر” وكل ما قيل عن قيم جديدة وعن بطل اشتراكي ورؤيا متفائلة واشياء من هذا القبيل ليس لها أساس. لم يكتب عبدالحكيم قاسم سيرته الذاتية لكنه في رسالة مبكرة له الى الناقد المصري المغترب د.ناجي نجيب يحدثه عن حياته. ورغم ان الرسالة ليست طويلة لكنه يقدم فيها معالم حياته وتوصيفه لجيله الادبي وما يختلف فيه ذلك الجيل عن الاجيال التي سبقته: “انتاجنا يتسم احيانا بالألغاز والاغراق في الرمزية”. وفي رسالة اخرى تعود الى 18 يونيه 1973 يتحدث بقسوة عن بعض الكتاب المعاصرين له مثل د.مصطفى محمود وانيس منصور ويوسف السباعي ويشرح بعض اراء نجيب محفوظ في الكتاب الشبان. الكتاب: كتابات نوبة الحراسة.. رسائل عبدالحكيم قاسم إعداد وتقديم: محمد شعير الناشر: دار ميريت للنشر 2010 عدد الصفحات: 256 صفحة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©