الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حملة سورية لتوثيق التراث الثقافي «اللامادي»

حملة سورية لتوثيق التراث الثقافي «اللامادي»
26 ديسمبر 2010 19:53
تتواصل في سوريا الحملة الوطنية لتوثيق التراث الثقافي “اللامادي”، وبعد الورشات والندوات التي ناقشت سبل حماية التراث وتوثيقه وحفظه، تم تشكيل لجنة من خمسة وعشرين مختصاً في كل محافظة سورية لاتخاذ التدابير العملية لجمع التراث وإحيائه. يخشى باحثون مختصون في مجالات التراث السوري الثقافي "اللامادي"، من فقدانه لأن غالبية الذين يعرفون هذا التراث الشفهي ويحفظونه رحلوا، أما من بقي منهم على قيد الحياة فإنهم متقدمون في العمر، ويعانون من مشكلات صحية تعيق التدوين عنهم، وبالتالي، فإن جهوداً عاجلة يجب أن تبذل لحفظ هذا التراث الشفاهي ووقف اندثاره. الهوية الوطنية يرى الباحث في مجال التراث الدكتور محمود حريتاني أن تراث الإنسان هو ما يحدد هويته وليست الوثيقة الرسمية التي يحملها وتشير إلى جنسيته، ذلك أن التراث يحدد ثقافة الإنسان وبيئته، فالعمران المادي يمثل الشكل الخارجي فقط لما يتم ضمن المدينة من فعاليات وعادات وتقاليد وفنون، ويجمع المهتمون على أن التراث بشقيه المادي واللامادي يشكلان توأما الهوية الوطنية وأساس مكوناتها الثقافية، فالتراث المادي يتجسد في الآثار والعمران والشوارع والمتاحف وكل ما هو ماثل في الطبيعة كتعبير عن الإبداع المادي لمجتمع ما. ويتابع "التراث اللامادي معلق على الشفاه، لأنه تراث شفاهي، يتوارثه الأبناء والأحفاد عن الآباء والأجداد، وهو يتصل بالمخزون الفكري والإبداعي للشعوب، ويعبر عن أشكال النشاط الإنساني، ويشمل التقاليد وأشكال التعبير الشفهي كالأمثال الشعبية والعادات والطقوس في الأفراح والأحزان، وكذلك الفولكور الشعبي كالأهازيج والرقص والدبكة والمولوية والغناء والموسيقى والأساطير والسير الشعبية والحكايات ومسرح خيال الظل (كراكوز وعواظ)، وكذلك المهارات المرتبطة بالحرف التقليدية". تسونامي ثقافي تتعرض مجتمعات العالم الثالث، ولاسيما الأكثر فقراً منها إلى هجوم شرس يعصف بالتراث الثقافي اللامادي، ويتضح مدى الخطر على هذا التراث وكارثيته. يقول حريتاني "إذا علمنا أن هذه المجتمعات تملك التراث الأعرق والأغنى، لكنها لا تستطيع أن تصد هذا الهجوم الذي يشبه "تسونامي" ثقافي كاسح، لاسيما في زمن العولمة والإنترنت والفضاء المفتوح، وزوال الحدود أمام تدفق المعلومات والمقولات والتقليعات، ما يؤثر بقوة على الأجيال الجديدة التي درجت على تقليد الغربيين ولاسيما الأميركيين"، لافتا إلى أن أحد الباحثين في التراث العربي والثقافي اللامادي حذر ساخراً من أنه إذا لم نبادر إلى جمع وتدوين تراثنا اللامادي وتعميمه، فسيأتي اليوم الذي يعتبر بعضنا فيه الهمبرغر من الأكلات الشعبية العربية. وأمام تسارع الأحداث ودورة التطور التكنولوجي، فإن اليونيسكو تعلن أن هناك لغة من لغات البشرية تندثر كل يوم، وأن المعالم الثقافية التراثية تتغير بشدة، ما يعني أن الملايين ينخلعون من جذورهم التراثية والثقافية، ويقلدون الغربيين، ما يهدد بالزوال هويات إنسانية مميزة لكل شعب من الشعوب، ولاسيما أن التراث اللامادي هو بمثابة الروح لأي مجتمع، وإذا غادرت هذه الروح، فإن المجتمع يفقد هويته والخصائص التي تميزه ضمن المجتمعات الأخرى. الحملة السورية يحدد عادل أبو فخر، مدير التراث الشعبي في وزارة الثقافة السورية، أهداف الحملة السورية التي أطلقت اعتباراً من منتصف سبتمبر الماضي بجمع وتوثيق التراث الثقافي اللامادي، وإعداد قوائم حصر به، وإنشاء المكنز البشري لحماية التراث الثقافي ورواته وممارسيه، وتعتمد الخطة السورية على جمع وتوثيق العناصر الأكثر عرضة للاندثار والنسيان، وإدراجها في قوائم حصر، مع تقديم المعلومات والبيانات عن العنصر التراثي. وقد تم تشكيل لجان البحث والجمع الميداني لعناصر التراث اللامادي في كل محافظة سورية. كما تم إقامة عدة قرى تراثية نموذجية صغيرة ومتحف تراثي شعبي حماية للموروث اللامادي في عدد من المحافظات السورية كالقنيطرة واللاذقية. وتترافق الحملة السورية، مع عدد من الندوات والورشات المتخصصة، كمؤتمر التراث والتنمية الذي عقد في معهد التراث العربي في حلب، وشارك فيه خبراء فرنسيون من مؤسسة "مخططون بلا حدود"، وكذلك ندوة التراث الشعبي اللامادي في بلدان البحر الأبيض المتوسط التي نظمت بمشاركة منظمة اليونيسكو والمفوضية الأوروبية وعقدت في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق. دعم أوروبي تكتسب الحملة الوطنية السورية قوة دفع ودعم مؤثر بارتباطها وتعاونها مع مشروع "ميدليهير" الأوروبي لحماية وحفظ التراث اللامادي لدول حوض البحر الأبيض المتوسط الذي تشارك فيه كل من سوريا ولبنان والأردن ومصر، ويموله الاتحاد الأوروبي، وقد تم تقسيم مشروع التراث اللا مادي لهذه البلدان إلى ثلاث مراحل تبدأ بتقييم حالة التراث اللامادي، ثم وضع الخطط لتسجيله وحمايته وصونه، ثم الدخول في مرحلة التنفيذ. وتشارك فعاليات أهلية وأكاديمية ولجان وزارة الثقافة في هذه المهمة الجليلة، ومنها جمعية إحياء التراث في سوريا، وجمعية البيت الدمشقي، وجمعية أصدقاء دمشق، وشخصيات أكاديمية وباحثون مختصون، إضافة إلى معهد التراث العربي في حلب والجامعات السورية. ويبدو أن الصحوة على التراث اللامادي قد جاءت متأخرة، وأن تأتي متأخرة خير من ألا تأتي، ومن هنا يبدو الجميع في حالة استنفار علمي لسباق الزمن وحماية الموروث الثقافي السوري من الاندثار. «اليونيسكو» تنبه إلى أهمية التراث اللامادي نبهت منظمة اليونيسكو إلى أهمية التراث اللامادي، وإلى الأخطار التي تهدده بالاندثار، فكانت الاتفاقية الدولية لحماية التراث الثقافي اللامادي العالمي عام 2003، والتي انضمت إليها سوريا عام 2004، وتدعو الاتفاقية إلى حماية التراث اللامادي باعتباره عنصراً خاصاً بالهوية الثقافية المميزة لكل شعب من الشعوب. وما يعزز بوادر الخطر أن هذا التراث لا يزال في طوره الشفاهي، فهو معلق على شفاه من يحفظونه، ويعيشونه، فإذا رحلوا يصبح في مهب الريح. لذا تلح اليونيسكو والباحثون في التراث على أهمية أن تقوم الدول والمجتمعات بعمل عاجل لرصد هذا التراث وتدوينه وحفظه وإعادة إشاعته لإحيائه.
المصدر: دمشق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©