الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ما ينتظرني بعد قليل...!

ما ينتظرني بعد قليل...!
22 ديسمبر 2010 20:29
أعترف بأنني لم أعد أحتمل رتابة الحياة. الأيام تبدو طويلة، أعد الدقائق والثواني على أصابعي، أدونها على أوراقي ومذكرات حزني. إنني أشعر بخيبة أمل من كل الذين حولي، وبالهزيمة كلما تحدثوا إلي وأخبروني بصراحة عن عجزي. أعترف أنني لن أستطيع إعادة ما يقولونه بالطريقة التي يتحدثون بها. إنهم بما يملكونه من زخم في كلماتهم يستطيعون أن يخبروكم بكل شيء .. الحياة عادية، تسير بنا وقد لا تسير. اليوم استيقظت لأجد أولاد جيراننا يركبون الحافلة إلى المدرسة، وتلك ابنة الجيران، لقد اعتادت الاستيقاظ صباحا، لتطعم دجاجاتها بسعادة. تبدو الحياة في مفهومها بسيطة، هي لا تتوق إلا إلى عالم كبير من الدجاجات وثوب ريفي مزركش، أحلامها بسيطة جدا. أريد أن أكون مثلها. هكذا، أريد حياة بسيطة وجميلة، أن يكون لدي زوج وطفل وبيت صغير. هل تعلمون ما معنى خيبة الأمل؟ وأن تواجه الفشل في حياتك منذ الطفولة، هكذا صنعت مني هذه الخيبة إنسانة منعزلة، تعيسة، وغريبة الأطوار، لا أحد يحبني وليست لدي صديقات. لقد نشأت في منزل صغير. كان لدي إخوة وأب وأم، إنها عائلة، وربما العائلة في نظركم هي رمز لأشياء كبيرة. نعم إنكم تحبون أن تصفوا الحياة بتلك الكلمات، بينما أنا كرهت كل تلك الكلمات العظيمة، الخير والشر، الجمال والقبح، الحزن والسعادة، الأمل والألم، كلها كلمات موجودة في قواميس واحدة. هنا تأتي خيبة الأمل، والناس يتعاملون بينهم بهذه الكلمات الكثيرة والعديدة في حياتهم اليومية. اعترف أنني في أحيان كثيرة لم تكن تهمني تلك الكلمات ولا تلك العواطف التي تحملها، ربما لأنني فيما بعد فقدت شعوري بتلك الأحاسيس التي لم يعد لها قيمة في حياتي. أول خيبة أمل في حياتي كانت عائلتي، لقد لفظتني ككلب يعاني من مرض مزمن لا علاج له. لم استطع التكيف مع إخوتي، كانت المفاهيم لديهم كباقي البشر، مفاهيم في الأموال وحب الحياة والتعلق بها، الغدر والظلم والقهر. نعم هذه خيبة الأمل الأولى هي سبب معاناتي في الحياة، عجزي وقهري، وإحساسي بالألم والتعاسة والدونية. أتذكر بكل وضوح، وبوضوح مرعب، كلماتهم بأنه لا قيمة لي في هذه الحياة رغم التضحيات والتفوق، رغم كل شيء. أتذكر تلك الكلمات وبدقة متناهية، وأعرف أية مشاعر انتابتني، أحسست في تلك اللحظات بأن ما حدث من حولي شيء مدمر.. والآن أنا أعيش تلك اللحظات، أعيشها ولا أتوقع أسوأ من هذا الذي حدث في طفولتي، هذا كل شيء. كنت أتوق إلى الحياة في بداياتي الأولى، وكان عشقي للكتابة وللقراءة. شيئان أعترف أنهما خففا من شعوري بوطأة هذه الحياة.. والواقع أنني كنت أتوق إلى حياة جميلة وكنت أتوقع من الناس أمورا كثيرة، أو ربما كنت أحتاج إلى ضربة حظ، أو إلى أي شيء. إنني حقا أدور في دوامة لا حدود لها، وأكره تلك الانفعالات البشرية التي تدور في داخلي سواء من غضب وكراهية وحزن وضيق. أحيانا يتوقع جميع من حولي بأن مخيلتي تختلق الأحداث وترسم صورة مرعبة عن طفولتي، ولكن في داخلي تصور كبير وإحساس أحيانا غير واضح، بأن هناك خيبات أمل كثيرة وكوارث سوف تحدث في حياتي، هذا إذا استمررت فعلا في الحياة. قد تستغربون من حديثي هذا، ومن سردي لأحزاني وخيبات أملي، ولكنني كنت أعوض هذا الحزن الدفين في القراءة والكتابة. لقد تعلمت الكثير من الكلمات التي أضفتها إلى قواميسي، تعلمت أن أكتب الشعر، بتلك الكلمات التي تصف شعوري وإحساسي، وكنت متأكدة بأن هناك الكثير من الشعر يحمل الكثير من الكذب في طياته، ولكنه كذب جميل، يثير في داخلي شيئاً من شغف الشهوة والروح. اندفعت في حياتي بصمت غريب، لم يكن التفوق دافعي، إنما إثبات الذات، وقهر كلمات عائلتي. في حياتي البسيطة هذه تعلمت أموراً كثيرة، والغريب أنهم حتى في عملي لم يقدروني كفتاة ناجحة ومتفوقة. لقد جعلتني الكلمات أفشل، إنني الآن في الخامسة والعشرين من عمري. أجلس في المنزل، عاطلة عن العمل، ليست لدي مهنة أزاولها سوى الخوف والترقب. كثيرا ما كنت أفكر لو حدث وطردوني من عملي، ما الذي سوف يحدث؟ ولكن لم يكن لدي الوقت لأفكر في النتائج، كنت أعمل بصمت وآكل في صمت، وأحب في صمت، وعندما تعلمت الحديث طردوني من عملي. لقد أتقنت فن الكلمات، وأصبح لدي قاموس كبير يحتوي الكثير منها، قاموس لا أستطيع حمله من ثقله، وعندما علمت مديرتي بأنني تحدثت لم تحتمل وجودي، والآن أنا مطرودة من عملي. إنها الحقيقة! حقيقة لا بد لي أن أعيشها بكل كياني، ألا تريدون أن تصدقوا أنني عايشت ما يكفي من الألم ولسنوات رغم أنها ليست طويلة، ولكنها تكفي لتثير كل هذا الكم الهائل من الحزن في داخلي. قبل سنوات أحببت شاباً. كان رائعا، تمنيت أن أكون دوما معه، أن يكون زوجي ووالد أطفالي، ولكنه لم يبادلني هذا الشعور، واتجه إلى فتاة أخرى. أيام مرت علي وأنا أفكر في حياتي، في هذا الألم العظيم الذي أشعر به، أفكر في حظي الذي عايشته، وخيبة أملي التي قادتني إلى الدونية والوحدة والانعزال عن البشر. كنت أتساءل دوما في حياتي هذه عن الحزن والفرح، مترادفان عكس بعضهما، لقد خلق الله الإنسان في هذه الحياة، وهو يملك الخيارات في أن يعيش في السعادة أو الحزن. هو الذي يقرر، ولكن رغم ذلك تبقى أمور كثيرة عائقة في طريقه في التحرر من هذا القيد، إنني اليوم أتوق إلى هذا التحرر، وأتوقع انه في حالتي هذه لن يأتي هذا الإحساس إلا بالموت. كان هذا الشعور سرعان ما ينتابني كلما جلست أمام البحر، أنظر إلى الأفق، فأشعر بأنه يدعوني إلى التحرر، ولكن لم يكن لدي أفق، كانت كل الزوايا في حياتي ضيقة بالكاد تكفيني وتكفي جسدي الضئيل وأفكاري التافهة. اسمعوني أرجوكم إنها الفرصة الأخيرة التي أمتلكها لأعبر عما في داخلي وإلا تحطمت وصارت جثتي فتاتاً في شوارع مدينتكم التافهة المزدحمة بأمور أنتم أنفسكم لا تفهمونها ولا تفهمون كنهها. ربما يكون أفقي ضيقاً أكثر من الناس الآخرين؟ ربما أنا غبية أو لدي فائض من الفهم، ولهذا لا أقوى على الاستمرار في هذا العالم. وقد أصل إلى القمة وتنتهي حياتي هذه في لحظة. اعرف السعادة والألم في كل أشكالهما، ولقد جربتهما في حياتي، وأعرف مرارة كل واحد منهما وفي درجات غير ثابتة، ليس هناك شيء ثابت في حياتي، لا شيء، إنهم يعيشون في حياتهم في كذب، يكتبون أمورا لا أساس لها، ويصنعون لأنفسهم مجدا فيه الكثير من التملق. أعترف لكم بأنني ربما كنت في يوم من الأيام مثلهم، ولكن ألا يحق لي في لحظة أن أكون سعيدة بعد كل خيبات الأمل هذه. إن أجمل تلك اللحظات، حينما أجلس وحدي أمام نافذة غرفتي أتأمل السماء، أتأملها بمزيج من الحنان والاشتياق، إنها عالمي، حيث أبعد قليلا ناظري عن الأرض والحياة، وأعيش لحظاتي الحميمة مع السماء في لونها الأزرق الرائع، وربما هنا في هذا العالم أستطيع الدفاع عن نفسي، دون أن يسابقني هؤلاء البشر أو يتهموني بشيء. أستطيع أن أعيش بدون أن تحدث لدي خيبة أمل، أعلم عجزي عن احتمال هذه الحياة، إنني لا أريد سوى التحرر من قيودهم، والسفر هناك حيث الظلام الأبدي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©