الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

في مديح المرأة

20 ديسمبر 2010 22:41
كيف يتمنى رجل ناضجٌ عاقلٌ مثقفٌ حكيمٌ خبيرٌ عالمٌ حضنَ امرأة بحجم الكون كي يحتويه! وكيف يتوق سياسيٌ ثوريٌ عقائديٌ اقتصاديٌ حرٌ إلى صدر امرأة كي ينسى عِلْمه ويرفع عَلم إرهاقه ويستسلم لنداء الطفل فيه! وكيف يهجر الشاعرُ الفنانُ المبدعُ يابسةَ المفردةِ وحقولَ اللغةِ إلى موجةِ امرأةٍ تجوب به بحار التألق كلها، ويتمنى ألا تعود به إلى اليابسة! كيف يحل العشق مكان الإبداع وعجلة الحياة ويحقق الاكتفاء الروحاني، وكأن الكتابة امرأة دافئة، وكأن العقل والحكمة والثورة والسياسة تصب في بحيرة امرأة لا ضفاف لها سوى زهورها التي تصنعها بتمتماتها وابتهالاتها واحتوائها.. ترى، ألهذا يبتهل العاشق أن يتوقف الزمن في لحظة التوحد! ترى، ألهذا يتعمد العاشق الدخول إلى حالة البياض وتوحّد الألوان ونسيان ما في الرأس من رؤوس عند استراحة الروح في حضنها! هل هو توق الرجل أن يعود إلى منبعه! المرأة لا تنتظر مديحا من بشر لأنها تلقته من السماء، وكل القصائد التي تحاول ملامسة حوافها لا يمكنها الوصول إلى معنى نظرة حانية من أم لطفلها، ويكبر الطفل، ويفنى عمره وهو يبحث عن تلك النظرة في وجوه النساء، فإن وجدها استقر، وإن لم يجدها نفر، ليبقى طول عمره في سفر. يحزنني ذاك الرجل الذي يتنافس مع المرأة، فهو لا يدري أن لا ضرورة للتنافس بل للتكامل، أما إذا وصل الأمر إلى التحدي، فهو يفتح على نفسه أبواب جهنم، وكما كان يقال في عصور خلت، يحل عليه غضب الآلهة. ويحزنني أكثر حين يغادر الرجل ثقافته وينسى مصادر وعيه ومعرفته وإلهامه وأسئلته، إلى ما بثته فيه المرأة منذ كان مضغة في رحمها، إلى أن قالت له امرأة “أحبك”، ويشهر سيفه العقلي والعضلي والشرعي في وجهها، ليسكنها زاوية لا يشرق فيها الصبح ولا يرسل فيها المساء سمفونية بهجة الليل، ليتربع هو على عرش ذكورة قتلته قبل غيره واستباحت إنسانيته. لا غرابة إن قلت أن كيفية التعاطي مع المرأة في كل حالاتها هي مقياس إنسانية الرجل وتمدّنه ومصداقية ثقافته ومعنى آدميته، فهي ليست وعاء ولا “فشة خلق” أو خادمة، المرأة هي ذات الرجل ونفسه، فإن لم يستطع هضم هذا فليبتعد عنها. إن الغرابة تكمن في أن مثقفين كثيرين ومتعلمين ومتفقهين وسياسيين واقتصاديين، وبعد مرور 1500 عام على إنقاذ المرأة من الوأد، يواصلون الاحتفاظ بالضغينة ونكران الجميل، ويصرون على جاهلية لا يساويها سوى الكفر، ولا يعودون إلى صوابهم إلا على فراش الموت، فيطلبون السماح. اليتم ليس في وفاة الأم أو الأب، إنه في موت الأم في قلب الرجل، وموت الرجل في قلب الأم.. والكتابة مهما تألقت لا تعوض اليتيم، ولكن، سنواصل الكتابة. akhattib@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©