الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«المذكرة التصحيحية»: أزمة «إخوان» السودان

26 يناير 2012
الأزمة السياسية والتنظيمية التي تعيشها الحركة الإسلامية في السودان منذ أكثر من عام، معروفة لمعظم المشتغلين بالعمل السياسي في الخرطوم، وبعض تفاعلاتها كانت تظهر وتختفي. لكن الحركة الإسلامية -مثلها مثل كل المنظمات والأحزاب الشمولية- كانت قادرة على إخفائها تحت عباءتها السميكة. وفي الظاهر كانت تبذل كل الجهود التكتيكية لتبدو متماسكة ومتوحدة في قيادة "أميرها" علي عثمان محمد طه وحليفه المشير عمر البشير. لكن الخرطوم العاصمة، من بعض صفاتها الخاصة، كانت تتابع في مجالسها أنباء أزمة "الإخوان"، وتملأ الجو السياسي الإشاعات والتحليلات السطحية. فإذا سافر عثمان إلى تركيا في رحلة علاجية، ستجد من يؤكد لك أن الرجل قد سافر غاضباً ومختلفاً مع الرئيس وفريقه... وإذا نشرت مجلة القوات المسلحة مقالاً نادراً هاجمت فيه "المؤتمر الوطني" وأطلقت عليه صفات لا يجرؤ على كتابتها أشد خصومه جرأة، ستجد من يؤكد لك أن العسكر الإسلاميين قد وجهوا الإنذار العلني الأول للحزب الحاكم.. إلخ. لذلك لم يفاجأ كثيرون -وأنا منهم- عندما نشرت "المذكرة التصحيحية" التي قدمت لـ"تصحيح مسار الحركة الإسلامية". وقبل أن يسارع القارئ بالتساؤل الطبيعي: من قدم المذكرة التصحيحية؟ ولمن قدمها؟ فإن أصحابها أغنونا عن التساؤل، فقد وصفوا أنفسهم بأنهم "مجموعة من الإخوان تنادينا لندلي بدلونا في أمر شاركنا في كل تفاصيله ونريد أن نجدد ما اندثر فيه من روح تداعيات كان من الممكن تجاوزها". المذكرة جاءت في ثلاث صفحات فيها كثير من الأفكار والنقد الحاد (بأدب)، ومقترحات تستحق النظر فيها والتعامل معها بكل عقلانية، وإدراك ووعي بخلفياتها وخلفيات متمثلة في أزمة الحركة الإسلامية الحالية. لكن المجال هنا لا يسمح بذلك الآن، غير أن ثمة فقرات مهمة وردت في المذكرة في باب "السلبيات والإخفاقات" تؤكد في نظري، أن "الإخوان" هم أكثر إدراكاً لحالة السلطة وبالتالي حال السودان الذي تحكمه، وهم في أكثر من موقع يتحدثون عن أنفسهم "من داخل الصف": "نؤكد بهذه المبادرة أننا لن نسعى لشق صف أو تكوين جسم جديد مهما حدث، وسنتعاهد على ذلك، بل سنظل داخل البيت ندافع وننشر هذه الرؤية بكل الوسائل المشروعة وبكل قوة مهما كلفنا ذلك من زمن أو جهد حتى يستقيم الأمر، وسنظل في حالة رباط دائم إلى تحقيقها". لكن -حسب رؤية أصحاب المذكرة التصحيحية- كيف يستقيم الأمر؟ وما هي السلبيات والإخفاقات التي أوصلت الحركة الإسلامية لمرحلة أصبحت فيها محتاجة لـ"تصحيح المسار"؟ في هذا المجال يمكننا القول: "وشهد شاهد من أهلها"، فالمذكرة تلتقي في كثير من المواقف مع موقف ورؤية وشكوى الرأي العام من سلطة "الإنقاذ"، فهي تقول مثلاً: -1 هنالك أخطاء ارتكبت من الجماعة والأفراد أبرزها التعامل بروح الوصاية والإقصاء وعدم استصحاب الآخر. -2 العقلية الأمنية التي غلبت في كثير من السنوات مما صور الدولة كأنها بلا فكرة أو مشروع إنساني حضاري تقدمه للناس. -3 ركون بعضنا إلى الدنيا وإصابته منها وسقوطه في امتحان السلطة حيث أصبح من المفتونين. -4 عدم التعامل بحسم مع تهم الفساد التي أصبحت حديث الناس وعدم حسمها أو دحضها، بل أصبح السكوت عليها يضعفنا أخلاقياً وفكرياً قبل أن يهزمنا سياسياً. -5 ظهور النعرات القبلية والجهوية بصورة مزعجة والفشل في محاربة بعض الظواهر الموروثة، مثل المحسوبية والرشوة وكثير غيرها من سلبيات وإخفاقات يعلمها القاصي والداني في السودان. والحل؟ أولاً: البدء فوراً في تنفيذ خطة واضحة لجعل الجهاز القضائي مستقلاً تماماً عن الجهاز التنفيذي، وفك الارتباط العضوي بين أجهزة "المؤتمر الوطني" وأجهزة الدولة، مالياً وإدارياً، وذلك بكل شفافية وعدل شأن الآخرين (الأحزاب الأخرى). وضع لوائح تضمن عدم بقاء الأشخاص في المناصب العامة والتنظيمية لفترات طويلة (وذلك مربط الفرس، وفي تقديري لب وجوهر المذكرة التصحيحية). وتنشيط القوانين واللوائح الحكومية التي تمنع شاغلي الوظائف الدستورية ورجالات الدولة من العمل التجاري، وذلك بكل حزم وعدم مجاملة، واستحداث "مكتب حسبة" هدفه ضبط العضوية والتحري حول أي شبهة ترد عن أي من الأعضاء، قيادة وقاعدة، وتشكيل آلية عدلية عبر القضاء تقوم بالنظر في قضايا الفساد، على أن تبدأ بالقضايا التي أصبحت قضايا رأي عام بالنسبة للشعب السوداني والإخوان، وذلك إما بتبرئة مرتكبيها أو محاسبتهم وإرجاع الأموال المنهوبة -إن ثبت ذلك- إلى الخزينة العامة. والحديث يطول، لكن باختصار، ففي المجال السياسي الديمقراطي تتفق هذه المذكرة مع المعارضة (رغم اختلاف الأسلوب الخطابي) على أن التحول السياسي يبدأ بتجسيد إرادة المواطن السوداني عبر صندوق الاقتراع، وذلك بكل صدق وشفافية. ولا يتسع المجال هنا لمناقشة وإبداء الرأي حول "المذكرة التصحيحية"، لكن عندما وصلتني هذه المذكرة خطرت على ذهني "مذكرة العشرة" التي كانت بداية أزمة الحركة الإسلامية الأولى، والتي انتهت بالمفاصلة المشهورة وإبعاد الترابي عن السلطة الذي تذكره المذكرة في باب السلبيات والإخفاقات: "الانشقاق الذي تم في 99 كان وصمة في جبين المشروع، خاصة ما تبعه من أحداث وملاحقات وملابسات". وأخيراً، لعل أخطر اعتراف يأتي من "داخل البيت" ما جاء في المذكرة عن "الأخطاء التي ارتكبت في قضية دارفور وأدخلت البلاد في مشكلة كبيرة. فرغم التآمر، لكن بقليل من الترتيب وعدم التسرع كان يمكن تفادي ما حدث". قلت، تذكرت "مذكرة العشرة الشهيرة، والتي طالبت هي أيضاً بتصحيح المسيرة و"تبسيط الشورى" الداخلية واحترام الديمقراطية الداخلية.. إلخ، وتساءلت: هل يعيد التاريخ نفسه؟ عبدالله عبيد حسن كاتب سوداني مقيم في كندا
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©