الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الأندلس مونامور».. لا «جنّة» في الأندلس!

«الأندلس مونامور».. لا «جنّة» في الأندلس!
26 يناير 2012
تعرض صالات السينما في المغرب هذه الأيام فيلم “الأندلس مونامور” الذي يعالج، في قالب كوميدي ساخر، الهجرة السرية الظاهرة التي تشكل أزمة قومية في المغرب لأنها تلامس المجتمع المغربي وترتبط بحياة الشباب الحالم بالسفر إلى أوروبا حيث الفردوس الموعود. ولقي الفيلم الأول للمخرج والممثل محمد نظيف بعد سلسلة أفلام قصيرة أهمها “المرأة الشابة والمصعد”، و”المرأة الشابة والمعلم”، تجاوباً واسعاً من قبل الجمهور؛ كما حظي باهتمام النقاد والسينمائيين بعد أن شارك في عدة مهرجانات سينمائية. وحاول المخرج في هذا العمل مقاربة ظاهرة الهجرة السرية بلمسات كوميدية مخففة جعلت من تيمة الهجرة جرعة قابلة للهضم، وجرحاً إنسانياً مفتوحاً على سخرية سوداء. شارك في بطولة فيلم “الأندلس مونامور” يوسف بريطل وعلي الصميلي ومحمد نظيف والمهدي الوزاني وأسماء الحضرمي ومحمد الشوبي وخلود البطيوي، والممثل الجزائري هشام مصباح. وهو من إخراج محمد نظيف، وقد افتتح الفيلم المسابقة الرسمية لمهرجان وهران السينمائي بالجزائر، وفاز بجائزة أحسن إخراج لأول عمل واعد. كما شارك في الدورة الحادية عشرة لمهرجان مراكش العالمي ضمن فقرة “خفقة قلب”، وشارك أيضاً في مسابقة الأفلام الطويلة ضمن الدورة الثالثة عشرة لمهرجان السينما المغربية. حلم لا يتحقق يحكي الفيلم قصة طالبين جامعيين هما أمين وسعيد اللذين يواجهان صعوبات مادية ويحلمان بالهجرة إلى أوربا، ومن أجل تحقيق حلمهما يسافران إلى إحدى القرى بشمال المغرب بحثاً عن سماسرة الهجرة السرية الذين ينقلون الشباب في قوارب مطاطية إلى شواطئ إسبانيا القريبة من الساحل المغربي. وفي هذه القرية التي يتخذانها كنقطة عبور نحو أوروبا يقابلان “المعلم” الذي سيقلّهما سراً عبر أحد القوارب لتحقيق حلمهما، غير أن مركبهما سيغرق في عرض المتوسط، وستقذف أمواج البحر أمين إلى شاطئ القرية التي انطلق منها، أما “سعيد الحظ” سعيد فستقوده الأمواج إلى أحد الشواطئ الإسبانية، لكن “الأندلس” ستبدو للشاب سعيد غريبة ومغايرة وبمرور الأيام سيكتشف زيف حلمه وأن الجنة الموعودة لن يجدها عبر هجرته غير الشرعية، فيما سيكتشف صديقه أمين ظواهر غريبة تحدث بالقرية. يتقمص أمين الذي أدى دوره الممثل علي الصميلي، وصديقه سعيد الذي أدى دوره يوسف بريطل، دور باحثين عن الآثار، ومن أجل تحقيق هدفهما يستقرا في قرية شاطئية تطل على مضيق جبل طارق الذي يفصل المغرب عن إسبانيا، في انتظار الفرصة السانحة للهجرة حين تخف المراقبة الأمنية وتسمح الظروف الجوية بالعبور، فيقترح عليهما “المعلم” الذي لعب دوره المخرج محمد نظيف، وهو عاشق مهووس بحلم العودة إلى إسبانيا أو الأندلس، كما يسميها إيماناً منه بأنها بلد أجداده وأسلافه التي غادروها مكرهين. يقترح “المعلم” مساعدة الشابين على تحقيق المغامرة مقابل مبلغ مالي، حيث يوفر لهما مركباً بسيطاً لا يصمد أمام قوة الأمواج فتحدث الكارثة، حين يغرق المركب. وبينما تعيد الأمواج أمين إلى شاطئ القرية التي انطلق منها، فإنها تقود سعيد إلى شاطئ “إسباني كما يبدو” يصله وهو بين الحياة والموت. ينضم إلى مجموعة من المهاجرين من دول أفريفية مختلفة يعتقدون خطأ أنهم نجحوا في عبور المتوسط، وأنهم في خدمة مالك أرض إسباني، ليس في الحقيقة إلا رجل مافيا مغربي يوهم ضحاياه بمظهره المتنكر بأنهم في إسبانيا ويبقيهم في خدمته داخل ضيعته الأشبه بمعسكر اعتقال، بداعي حمايتهم من العنصرية. ويكشف أمين الذي عاد إلى القرية سباحة بعد أن غرق مركبه، مؤامرة “المعلم” أمام سكان القرية ويتهمه بأنه حاول قتله وصديقه حين منحهما قاربا صغيراً متهالكاً ودلهما على الطريق الخاطئ حين كانا في عرض البحر. وتتوالى الأحداث على “الشاطئ الإسباني” كما يظنه سعيد الذي يقرر رفقة زملاء له من الجزائر وجنوب الصحراء الهرب من المعسكر، لكنهم يكتشفون أنهم ظلوا سجناء في منطقة ساحلية مغربية، ليكتشف زيف حلمه وأن الجنة الموعودة لن يجدها عبر الهجرة السرية، وهي الرسالة التي أراد المخرج إيصالها من خلال هذا العمل، فيعود سعيد إلى لقاء صديقه أمين وتبدأ محاولتهما فضح مافيا تهريب المهاجرين والمخدرات. فيلم نظيف لمحمد نظيف قصة الفيلم بسيطة لكنها في نفس الوقت مثيرة وممتعة، راهنت على الكوميديا والسخرية كتوابل للإثارة، لكنها سخرية خفيفة غير مغرقة في الإسفاف والابتذال، وإذا كانت تيمة “الهجرة السرية” قد ألهمت مجموعة من المخرجين المغاربة بمعالجتها بما يسمح بالحديث عن موجة سينما الهجرة بالمغرب، فإن رؤية محمد نظيف الفنية لها مختلفة ومغايرة عن الأفلام التي تطرقت لهذه الظاهرة. ترصد كاميرا المخرج نظيف كيفية عيش المهاجرين وصوّر معاناتهم وهم يختبئون عن أعين الشرطة خوفاً من ترحيلهم، ويسلط الضوء على الأساليب المبتكرة التي ينهجها تجار المخدرات في تمويه الناس لصرف أنظارهم عن مجال اشتغالهم الحقيقي، ويفضح الفيلم العصابات المنظمة التي تقوم بعمليات نصب واحتيال وتتاجر في أحلام الشباب والفقراء وتستغل رغبتهم في العبور إلى الضفة الأوروبية. وقد اجمع النقاد على أن فيلم “الأندلس مونامور” كان متميزاً في الطرح والرؤية السينمائية حيث عالج قضية “الهجرة غير الشرعية” التي تعرفها الكثير من البلدان الإفريقية والمغاربية بشكل مختلف من ناحية القالب الذي قدمت فيه والذي مزج بين الكوميديا والدراما. واعتبر بعض النقاد أن المخرج محمد نظيف فاجأ الجميع بتناول ظاهرة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا بطريقة كوميدية مغايرة للأفلام التي تناولت الظاهرة من قبل بطريقة مأساوية، حيث أنه نجح في معالجة موضوع ارتبط في المتخيل الجماعي بالموت والمأساة، برؤية مختلفة ليقدِّمها في قالب كوميدي، ويحرك مشاعر المتلقي ويثير الكثير من النقاش عن حلم السفر نحو الضفة الأخرى وهاجس الرحيل. ويرى النقاد أن فيلم “الأندلس مونامور” ترك أثراً كبيراً لدى المتلقي، فرغم أن عنوانه يوحي بأن المتلقي سيكون في مواجهة مع موضوع مألوف وسائد، إلا أن المعالجة الفنية والرؤية الدرامية التي اختارت “السخرية السوداء” جعلته فيلماً مختلفاً عن الأفلام السابقة التي تطرقت للهجرة غير الشرعية. ويحسب للمخرج محمد نظيف أنه لم يوظف مشاهد مجانية جريئة كما يحدث في أغلب الأفلام المغربية واكتفى بلغة الإيحاء والترميز، كما أنه نجح في تحويل قصص كوميدية مغرقة في السواد والقتامة إلى فيلم يدفع المشاهد إلى الضحك إلى حد البكاء. مخرج وممثل شارك الممثل والمخرج محمد نظيف في بطولة فيلمه “الأندلس مونامور” حيث لعب دور “المعلم” والمشجع على الهجرة غير الشرعية، واعترف نظيف بأنه ليس راضيًّا كل الرضا عن الفيلم، لغياب الإمكانات اللازمة لتجسيد العمل، وأكد انه أشرك ممثلين من بلدان أفريقية ومغاربية في الفيلم للتأكيد على اتساع هذه الظاهرة وحتى يكون بالإمكان مشاهدة العمل في بلدان مختلفة للتعريف بهذه الآفة الإنسانية ومعالجتها في العمق. وأوضح نظيف أن اختيار الموضوع إنما يعود لخطورة “الهجرة غير الشرعية” وانتشارها واتخاذها أشكالاً مختلفة حتى وصلت إلى النساء والأطفال الذين ارتفعت أعدادهم كضحايا للهجرة غير الشرعية، ورفض المخرج القول بأن موضوع الهجرة غير الشرعية مستهلك سينمائياً في المغرب، منوهاً إلى أن الموضوع لم يأخذ حقه من الاهتمام السينمائي عكس ما يراه البعض، مشيراً إلى أهمية وضع بصمة المخرج على العمل السينمائي وإعطائه خصوصية معينة حتى وإن كان قد تم تناوله من قبل. وبخصوص التصنيف الذي منحه البعض لفيلم “الأندلس مونامور” باعتباره ينتمي إلى “السينما النظيفة” قال المخرج محمد نظيف انه يرفض أن يستغل اسمه “نظيف” من أجل ضرب مخرجين آخرين به، قائلاً: “لا أريد أن أُستغل لمهاجمة غيري من المخرجين... ما يهمني تحديدًا هو الجمهور الذي يشاهد فيلمي في قاعة السينما، ونحن بحاجة إلى الكوميديا الهادفة”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©