الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نسبية السعادة

6 ديسمبر 2010 19:50
اشتكت سيدة ضعف ذات يدها وقلة مدخولها الذي لا يكاد يسد رمق صغيريها، واشتكت أخرى تعاستها وعدم راحتها في هذه الدنيا، رغم توفرها على ما يفيض عن حاجتها نتيجة منازعاتها مع أطفالها، وعدم قدرتها على ضبطهم في سن حرجة، في حين قالت أخرى أنا راضية بزوجي الطيب الذي يعاملني معاملة جيدة وراقية، ولكن ما ينقصني هم الأولاد، حيث لم يحالفني الحظ بعد في الإنجاب، وحين يكون لي ابن تكتمل سعادتي، في حين قالت أخرى أعاني من مرض مزمن وأولادي صغار وتلزمهم عناية كبيرة، هكذا هي سعادة الإنسان نسبية، ومهما كانت الظروف المحيطة بأي شخص تكون هناك نواقص، والسعادة لا تكتمل أبدا مهما تم السعي نحوها، تظل النواقص تعيق السعادة، وانسابت حياة أخرى نحو الحزن، الذي غلف حياتها، وظل تفاصيله بادية على ملامحها، لاشيء يدفعها نحو الشغف للحياة، كل أيامها متشابهة، لا دم جديد في حياتها كما تقول، لأنها تجاوزت الأربعين وبدأت تشعر باندفاع حياتها نحو العجز والهوان، تسرب اليأس لمداخل قلبها، تخاف من المرض والفقر والموت، وباتت لا تفكر إلا في انسيابها نحو النهاية التي تخاف أن تزورها في كل حين، وما سيؤول له حالها إن توفيت... حملت كفنها بين يديها وجهزت حنوطها وباتت تنتظر يأكلها الخوف واليأس. والخوف والقلق يقود الشخص إلى الاقتراب من حدود عالم مجهول لا يعرفه الإنسان تماما، ولقد قدّر الأطباء بأن 57 % من الذين يزورون المستشفيات وعيادات الأطباء يعانون وهم المرض، وتبيّن بشكل شبه مؤكد أن الخوف من المرض حتى في حال وجود أدنى الأسباب له يولّد عوارض جسدية مماثلة للعوارض الحقيقية للمرض الذي هو موضوع الخوف، كما توجد إثباتات كثيرة بأن المرض في بعض الأحيان يبدأ على شكل دافع فكري سلبي، وغالبا ما ينتقل ذلك من عقل شخص إلى عقل شخص آخر، بالإيحاء. فلماذا هذا التشاؤم الذي يقتل الحياة؟ لماذا هذا الخوف الذي يقدم الإحباط في الحياة ويقضي على فرص الإبداع؟ لماذا يفتقد بعض الناس الأمان ويزرعون ذلك في من حولهم؟ أسئلة كثيرة، أجاب عنها آخرون باندفاعهم، نحو الحياة، حيث اتصلت صديقة لي من بلد يقبع وسط الثلوج، حياته باردة، لكن حركة أهله دؤوبة تمشي وتدور كما هي عقارب الساعة، لا ملل فيها، لا تذمر ولاضجر، وصل الناس عتيهم، ولكن تظل حياتهم عطاء وحبا وشوقا للآخر، يعيشون على الأمل والحب، لا تتوقف حياتهم عند حواف الحزن والألم والمرض، بل يتجاوزون كل المعيقات، تجد بعضهم يدرس ويحقق رغبته في استكمال شغف دراسي رغم كبر سنه، أو حتى بعد تقاعده من عمله، وترى آخر بعد هذا العمر الكبير يوكل نفسه للسفر والسياحة ويخصص أموالا يجول بها العالم، يتعرف على أماكن جديدة ويعيش كل يوم حياة جديدة، وآخرون يسعون في حدائق منازلهم يزرعون ورودا وأزهار، خضراء وملونة بألوان الحياة، فتخضر بها حياتهم وتورق في كل يوم، ومنهم من لا تراه إلا والكتاب في يده يقرأ ويقرأ، لا تموت الحياة عندهم أبدا بالتشاؤم واليأس. lakbira.tounsi@admedia.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©