الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

زيناوي وتداخل العلاقات السودانية - الإثيوبية

30 أغسطس 2012
غيب الموت من مسرح السياسة الأفريقية أحد نجومه اللامعين القليلي العدد "حاكم إثيوبيا" رئيس الوزراء ميلس زيناوي الذي ظل يلعب دوراً كبيراً في الاتحاد الأفريقي عامة وفي القضية السودانية خاصة. والموت حق وقدر مكتوب على كل حي، ومن تعاليم ديننا وثقافتنا الإسلامية العربية أُوصي بأن نذكر محاسن موتانا. لكن الأشخاص الذين يتصدون لقيادة الدول والشعوب يعلمون أن حياتهم وسيرتهم لا تدخلان في باب الحياة الخاصة التي يحرص الكتاب الملتزمون بأخلاق وقيم ومسؤولية الكتابة على عدم التعرض إليها في حياتهم وبعد وفاتهم. لكن السياسة ومصالحها فرضت على حاكم إثيوبيا الأوحد أن يكون له خصوم وأصدقاء في السودان.. وفي تقديري فإن خصومه من السودانيين أكثر من أصدقائه. فقد بدأت علاقات زيناوي "القائد الثوري" للحركة المسلحة ضد حكم الجنرال منجستو مباشرة بعد انقلاب "الجبهة القومية الإسلامية" على الحكومة الديمقراطية السودانية المنتخبة. فقد وجد فيها حليفاً جاهزاً بحكم عدائها لحكم الجنرال "منجستو" الشيوعي الذي كان حليفاً وصديقاً وداعماً للحركة الشعبية لتحرير السودان، بل كان أقوى وأصدق حلفائها. والعلاقات الإثيوبية - السودانية المتداخلة والمتشابكة كانت دائماً من أولويات السياسة لكلا البلدين، ولقد لعبت "إثيوبيا الإمبراطورية" دوراً تاريخياً في قضية الحرب الأهلية الشمالية - الجنوبية وتوصل الإمبراطور بدعم من مجلس الكنائس العالمية إلى إقناع حكومة نميري و"حركة أنانيا الأولى" بقيادة الجنرال "لاجو" إلى اتفاقية سلام عُرفت باتفاقية أديس أبابا. وكان الجنرال "منجستو" قد استضاف مفاوضات سلام بين "الحركة الشعبية" والحزب "الاتحادي الديمقراطي" سُميت أولاً باتفاقية (الميرغني - قرنق)، وبعد مناورات وألاعيب من شريك الحزب الاتحادي في الحكم حزب الأمة، وبقليل من التعديلات التي أدخلها عليها الصادق المهدي ووافق عليها البرلمان الذي كانت لحزبه الأغلبية فيه. وفي بعض الروايات أن اتفاق (حكومة القصر) والحركة الشعبية على بدء التفاوض لحل الأزمة السودانية عبر المؤتمر القومي الدستوري (كان قد سبقه قرار الحركة والحكومة بتفعيل الهدنة وإيقاف القتال) كان هو الحافز الرئيسي الذي حدد موعد انقلاب 30 يونيو بقيادة البشير الذي ذهب إلى القصر وأرسل الترابي (حسب الخطة المرسومة للتمويه إلى كوبر.. قلنا إن العلاقات بين ثورة الإنقاذ وحركة ميلس العسكرية الثورية قد بدأت مباشرة بعد وصول الجبهة إلى السلطة.. ويذكر التاريخ الجيش الثوري الذي أسقط نظام منجستو وطارد فلوله إلى أديس أبابا قد دخل أديس أبابا على ظهور الدبابات والمدرعات! كان الشاب ميلس زيناوي شيوعياً متشدداً ويعود إليه الفضل في تنظيم قبيلته "التجراي" وتكوين جماعات مسلحة قاتلت نظام "منجستو" (من قبيلة الأمهر) التي اندرج منها جميع حكام إثيوبيا لعدة قرون.. من منليك الأول إلى الإمبراطور الأخير هيلاسيلاسي). وقد كانت واحدة من عجائب هذا الزمن أن الشيوعي قد رفع الشيوعي.. ولما كان الاتحاد السوفييتي قد وضع كل ثقله وعلاقاته مع نظام الرفيق منجستو الأمهراوي، وقد فشل في تحقيق مصالحه مع الشيوعيين، فإن الرفيق ميلس توجه إلى خصم الاتحاد السوفييتي الشيوعي حكومة أحمد خوجة الذي خاصم حزبه الاتحاد السوفييتي واتهم قيادته بالخروج على الماركسية اللينينية وتحالف مع الصين الشعبية، وهو (الحزب الشيوعي) الذي سعى وحقق تحالفاً قصير العمر بين حركة تحرير إرتيريا وحركة ميلس الذي لم يعمر طويلاً. لقد كانت شيوعية الرفيق ميلس مثله مثل أمثاله من (ثوار أفريقيا) في أواخر القرن العشرين طلاء قشرة، فقد استفاد الثوار الأذكياء من فترة الحرب الباردة والعداوة والتنافس الحاد بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، ونهلوا ونهبوا من مساعدات الاتحاد السوفييتي وكوبا بدرجة مذهلة. وبالنسبة للسودان، فقد أصبح "الرفيق ميلس" الصديق الحميم والمحامي البارع عن نظام "الإنقاذ،" مما أكسبه عداوة وكراهية كثير من السودانيين الذين رأوا في تدخله في الشأن السوداني يتم لمصلحة النظام الحاكم. وفي الداخل (إثيوبيا) فإن الحكم الديمقراطي التقدمي وحكومته القومية لم تكن في نظري أكثرية الإثيوبيين سوى صورة أو نسخة مكررة من حكم "الأمهري" القاسي والذي ظل يحكم بالحديد والنار وبأساليب التعذيب مثل أساليب القرون الوسطى وبقية القبائل والجماعات العرقية والدينية الإثيوبية الأخرى.. ولعل الملفت للنظر أن معظم الثوريين الأفريقيين الذين قادوا حركة التحرر الوطني باسم الوطن كله والشعب كله سرعان ما يعودوا إلى أصولهم ومنابتهم القبلية، وتلك هي أزمة ومشكلة أفريقيا. لقد سمعت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة أولبرايت في اجتماع في كمبالا ضم ميلس ورئيس أوغندا وزعيم الكونغو وآخرين "إن هؤلاء (الزعماء والرؤساء المجتمعين معها في كمبالا) هم وجوه أفريقيا الجديدة الديمقراطية التي ستحقق التنمية والاستقرار والسلام).. وقد خيب معظمهم أملها! كان ميلس زيناوي وثلاثة رؤساء أفارقة أملاً في نظر الغرب لدرجة أنهم وباقتراح من رئيس كندي دعوهم لحضور قمة الثماني، التي خرجت منها اتفاقية الشراكة مع أفريقيا. العارفون بأحوال الشعب الإثيوبي اليوم وفي مقدمتهم زعماء الغرب الديمقراطي يعرفون أن الشعب الإثيوبي في ظل حكم ميلس يعيش عيشة مأساوية "انتشار الفقر والحرمان مما دفع ملايين الإثيوبيين إلى الهجرة والنزوح من بلادهم ليعملوا في أقل الخدمات أجراً.. الفساد الذي عم السلطة من قمتها إلى قدميها.. وفي كل يوم يستقبل السودان وغيره من الدول المجاورة مئات الهاربين من جنة ميلس الشيوعية. عبدالله عبيد حسن كاتب سوداني مقيم في كندا
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©