الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

الروبوتات ذات الياقات البيضاء تستهدف وظائف البشر

الروبوتات ذات الياقات البيضاء تستهدف وظائف البشر
7 فبراير 2019 01:53

إيميليا شقراء ذات عينين زرقاوين، لديها مظهر يوحي بالثقة، تخففه ابتسامة تحمل وعياً ذاتياً، وتعمل في مكاتب المساعدة عبر «الإنترنت» والهاتف، للرد على أسئلة واستفسارات العملاء في بنك «إس إي بي» بالسويد. وتمارس إيميليا العمل نفسه أيضاً في بلدية إنفيلد في لندن، وفي زيورخ لصالح مؤسسة «يو بي إس» المالية. أما قدرات إيميليا فاستثنائية، فهي تستطيع حفظ وتذكر 300 صفحة من الوثائق في 30 ثانية فقط، وتتحدث 20 لغة، وترد على آلاف المكالمات في الوقت نفسه.
إيميليا من الروبوتات صاحبة الياقات البيضاء، فهي «بوت» أو برنامج ذكي يتفاعل مع العملاء عبر الهاتف الذكي، للإجابة عن أسئلتهم، وكمجسم ثلاثي الأبعاد على شاشات الحواسيب. وعندما تبدأ محادثة جديدة، فإن إيميليا تعرف كل التاريخ السابق لاتصالات العميل. وبحسب ما نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» في مارس 2018، فإن متوسط مدة الاتصال بشركة «أوول ستيت» الأميركية للتأمين قد تقلص من 4.6 إلى 4.2 دقيقة بعد توظيف إيميليا للرد على اتصالات العملاء.
شيتان دوبيه، مخترع إيميليا، ترك عمله أستاذاً في جامعة نيويورك، ليؤسس شركة «آي بي سوفت» لبرمجيات الأتمتة، انطلاقاً من قناعته بأن توظيف موظفين في الهند للرد على العملاء، لن يقترب من مستوى كفاءة استبدال الموظفين الأميركيين والأوروبيين بذكاء بشري مستنسخ. وإيميليا ونوعها، لا يحسن إنتاجية العمال، مثل كمبيوترات محمولة أسرع أو قواعد بيانات أفضل، إذ تم تصميم إيميليا لاستبدال العمال. ورغم أنها ليست في كفاءة العمال البشريين، إلا أنها أرخص بكثير جداً.
وحتى وقت قريب، كانت معظم وظائف الياقات البيضاء والخدمية والمهنية محمية من الأتمتة بسبب الاحتكار المعرفي للبشر. ولم تستطع أجهزة الكمبيوتر أن تفكر بمفردها؛ لذا كانت الوظائف التي تتطلب أي نوع من التفكير بداية من أستاذ الفيزياء النووية، وحتى بائع الزهور وكل الوظائف بينهما، تتطلب إنساناً، لكن الآن هناك شكل من أشكال الذكاء الصناعي يسمى «التعلم الآلي» يمنح أجهزة الكمبيوتر مهارات، مثل القراءة والكتابة والتحدث، والتعرف إلى الأنماط الدقيقة.
أجهزة الكمبيوتر المفكرة، مثل إيميليا، تفتح مرحلة جديدة من التشغيل الآلي ما يجلب إيجابيات وسلبيات لطبقة جديدة من العمال، وهم من يعملون في المكاتب، بدلاً من المزارع والمصانع. وهؤلاء الموظفون من أصحاب الياقات البيضاء غير مستعدين إلى حدٍ كبير لهذا. ويواجه العمال الأميركيون اليوم أيضاً منافسة مباشرة في الأجور من عمال أجانب ذوي مهارة عالية ومنخفضة التكلفة يعملون «افتراضياً» بالفعل في المكاتب الأميركية. فهناك منصات، مثل «أب وورك»، التي يمكن تشبيهها بأنها «إي باي المواهب»، التي تتيح لأصحاب الأعمال البحث عن المواهب من أنحاء الكرة الأرضية، وبتكلفة أقل في الغالب.
والجمع بين هذا الشكل الجديد من العولمة، والشكل الجديد من الروبوتات، سيكون هناك حقيقة شيء جديد، يمكنك تسميته «جلوبوتكس». والفرق الأكثر وضوحاً هو أنه سيؤثر على من يعملون في قطاع الخدمات بدلاً من العاملين في الزراعة والصناعة، أو نحو 129 مليون موظف أميركي، وفقاً لأحدث تقارير إدارة إحصاءات العمل في الولايات المتحدة.
ويستخدم نحو 20 من أكبر البنوك وشركات التأمين والاتصالات والإعلام وشركات الرعاية الصحية إيميليا حالياً. وقد أظهرت الأبحاث أن رضى العميل يرتبط بمدى التعاطف الذي يظهره الموظف الذي ينوى الرد على المكالمة، لهذا أضاف صانع «إيميليا» «وحدة نفسية» إلى اللوغاريتمات التي تشغلها، بالتالي، فإن «إيميليا» لديها وعي بالحالة النفسية للشخص الذي تتحدث معه. وهي تكيّف ردود فعلها وتعبيرات الوجه والإيماءات للتواصل بشكل أفضل. إلا أن إيميليا لا تستطيع التعامل مع كل شيء، وفي بعض الأحيان، تمرر معلومات إلى زملائها الآدميين ليتولوا زمام المسؤولية. إلا أنها تتمتع بالفضول وتظل على الهاتف تستمتع إلى كيفية التوصل إلى الحل، لتضيف حيلاً جديدة إلى نظام إدارة المعلومات لديها. وبمجرد موافقة المشرف البشري على ما تعلمته إيميليا ذاتياً، يمكنها الرد على استفسارات مشابهة في المستقبل. في الماضي، كان بعض التقدم يتم إحرازه في الذكاء الصناعي بمثابة وميض بسيط يظهر من وقت لآخر. لكن حالياً، فإن العديد من الشركات قد أدخلت برامج تشبه إيميليا. وقد نشر «بنك أوف أميركا» في فروعه «إيريكا» في صيف 2018، وتستطيع إيريكا أن تنبهك عندما ينخفض حد الحساب البنكي إلى اللون الأحمر، أو تقترح وضع أموال إضافية في الـ«فيزا» الخاصة بك، على أساس إنفاقك الشهري.
ويُطلق على الموظف الروبوت صاحب الياقة البيضاء لدى مؤسسة «جيه بي مورجان» اسم «كونتراكت انتليجينس» أو «كوين». و«كابيتال وان» لديها الروبوت «إينو». وتقوم شركة «آي بي إم» ببيع العديد من المساعدين الافتراضيين، مثل «إيميليا» تحت العلامة التجارية «واتسون»، بينما تقدم شركة «سيلزفورس» للسوق الروبوت «أينشتاين»، وشركة «إس إيه بي» تقدم الروبوت «هانا»، وشركة «إنفوسيز» توفر الروبوت «نيا».
وتطور أنظمة الذكاء الصناعي، مثل «إيميليا» و«واتسون» و«إريكا» سيحل محل العديد من الوظائف في قطاع الخدمات، إلا أنها لن تلغي سوى عدد قليل من المهن. هذا ما تفعله الأتمتة دائماً. فالجرارات الزراعية، على سبيل المثال، أتمتت بعض الأعمال في المزرعة، إلا أنها لم تلغِ الزراعة كمهنة. نحن فقط نحتاج إلى عدد أقل من المزارعين. وهذا ما سنراه عبر قطاع الخدمات في السنوات المقبلة.
وقد حاولت العديد من الدراسات تقدير التأثير الكلي للأتمتة الحديثة المرتبطة بالذكاء الصناعي على الوظائف. وتشير دراسة أجرتها شركة الاستشارات «فورستر» عام 2016 إلى أن 16% من كل الوظائف في الولايات المتحدة سيتم الاستغناء فيها عن خدمات البشر لتنتقل إلى التشغيل الآلي في السنوات العشر القادمة، لكن في المقابل، وحسب الدراسة أيضاً، سيتم خلق أنواع جديدة من الوظائف مثل المختصين في صيانة ومراقبة أداء «الروبوت» وعلماء تحليل البيانات والمتخصصين في تصنيع وتطوير الأتمتة، ما يؤدي في النهاية إلى خسارة صافية بنسبة 7% من الوظائف بحلول عام 2025. وسيخلق الوظائف الجديدة، الكميات الهائلة من البيانات التي يولدها البشر والأجهزة المتصلة بها. وغالباً ما تكون ستكون الخدمات التي كنا ندفع المال مقابل الحصول عليها، مثل الخرائط ونصائح السفر والأخبار، وهي خدمات مجانية في عالم اليوم. ورغم أن الكثير من العمل وراء الخدمات المجانية، مثل خرائط «جوجل» يتم بواسطة روبوتات من ذوي الياقات البيضاء، إلا أن هذه الخدمات تخلق طلباً، ما يجبر الشركات على توظيف الناس لرعاية الروبوتات والقيام بمزيد من الأعمال مثل الإدارة والمحاسبة والموارد البشرية وما شابهها. ولكن عدد الوظائف الجديدة للبشر محدود، وحتى شركة «ألفا بت» سريعة النمو والابتكار ومالكة شركة «جوجل»، خلقت فقط 71.300 فرصة عمل بين عامي 2007 و2017. وهذا معدل توظيف منخفض في سوق العمل بالولايات المتحدة، ذي الـ 140 مليون عامل. وأن تصبح أحد موظفي «جوجل» ليس خياراً لمعظم العاملين في مجال الضيافة بالولايات المتحدة، الذين ستتم أتمتة وظائفهم خلال السنوات القليلة المقبلة. هذه النسخة الجديدة من الثنائي المدمر، العولمة والأتمتة، ستخفض عدد المهن في قطاع الخدمات، والتحول نحو الـ«جلوبوتكس» لن يكون لطيفاً. وبالنظر إلى التقدم الهائل الحادث بقطاع التكنولوجيا، فإن هذه التغييرات ستؤدي إلى فوضى في قطاع المهن الحرفية والخدمية بشكل أسرع من الاضطراب الذي أحدثته العولمة في قطاع التصنيع بالقرن العشرين، والقطاع الزراعي في القرن التاسع عشر.

بقلم /‏‏‏‏‏‏ ريتشارد بولدوين

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©