الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

7 أركان تجعل الإمارات نموذجـاً لثقافـة التسامح

7 أركان تجعل الإمارات نموذجـاً لثقافـة التسامح
16 ديسمبر 2018 04:13

أبوظبي (الاتحاد)

يأتي إعلان صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، أمس، عام 2019 في دولة الإمارات العربية المتحدة «عاماً للتسامح»، لكي يتوج نهجاً إماراتياً نشأت عليه الدولة، وأرسى قواعده المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه. وبهذا الإعلان تصبح قيمة التسامح عملاً مؤسسياً مستداماً من خلال مجموعة من التشريعات والسياسات الهادفة إلى تعميق الحوار، وتقبل الآخر، والانفتاح على الثقافات المختلفة، خصوصاً لدى الأجيال الجديدة، بما تنعكس آثاره الإيجابية على المجتمع بصورة عامة.

تأسيس الوعي
وبالعودة إلى النهج التأسيسي لقيمة التسامح في الإمارات، نجد أن مفهوم «القيمة الإنسانية» عند الأب المؤسس، تتمثل في إستراتيجيته الحضارية التي ترعى «الإنسان»، وتعمل على تنميته وإسعاده؛ ولهذا فقد اعتمد في سياسته ثلاثة عناصر رئيسة هي: الدّين والتّسامح والمساواة، ولتحقيق ذلك اتخذ من الحب والحنان والأبوة منهجاً له في الحياة والحكم، ولذلك كان منهجه متمثلاً في الحفاظ على هذه القيمة الإنسانية عند كل المواطنين حتى لو وقع بعضهم في خطأ تشويهها أو طمسها في حياتهم.
والحديث عن التّسامح في فكر ونهج الشيخ زايد يتجاوز حدوده التقليدية، بل هو دليل عملي ملموس على النّظرة الثاقبة التي تتمتع بها الريادة الحضارية عند «حكيم العرب» الذي استشرف آفاق المستقبل. ولا تقتصر القيمة الإنسانية عند الشيخ زايد على المواطنين والمقيمين على أرض الدّولة أو أبناء الوطن العربي أو العالم الإسلامي فحسب، بل تمتد لتشمل الإنسانية جمعاء، فهي قيمة أو منظومة فكرية شاملة لا يمكن أن تتجزأ، يقول في زيارة له لباكستان في 28 مايو 1972: «أما الخط الآخر لسياستنا مع الدول غير الإسلامية، فهو خط إنساني بحت يقوم على المحبة والتّسامح، فعلينا واجب نحو البشرية، نتعاون معها، ونتعامل معها كبشر، نحترمهم كبشر، ونكنّ لهم بقدر ما يكنّون لنا من صداقة ومودّة». ومن هنا كان موقفه حاسماً ضد كل أشكال التمييز العنصري، فعلى مدار سنوات حكمه، حافظ على مبدأ عدم الانحياز لأي تعصبات أو صراعات أو أحلاف، معتمداً بدلاً منها مدّ يد العون والمساعدة لجميع دول العالم أجمع. وهو الموقف الذي بلوره في خطابه إلى مؤتمر القمة الرابع للدول غير المنحازة في الجزائر بتاريخ 8 سبتمبر 1973، حيث قال: «إننا ندين التمييز العنصري بكافة أنواعه وأشكاله، ونساند حركات التحرر في العالم مساندة كاملة وعلى الأخص في إفريقيا، ونحن على استعداد لبذل كل ما نستطيعه من مساعدة من أجل انتصار هذه الحركات، وتحقيق العدالة وحقوق الإنسان».
وقد أطر الشيخ زايد مفهوم التسامح خلال تحديده لسياسته الخارجية الواعية العقلانية في خطابه في اليوم الوطني عام 1972، إذ يقول: «لا توجد دولة تستطيع الحياة في عزلة عن المجتمع الدّولي، ولا يستطيع شعب أن يتقدّم دون أن يرقب عن كثب خطوات الشعوب الأخرى التي سبقته على طريق التّقدم، ويحاول أن يستفيد من التجارب التي تلائم ظروفه، والعالم بما فيه من الدول ما هو إلا مجموعة من الأسر المتجاورة، وإذا حسنت العلاقة بين الجار والجار وكان شعارها الأخوة والتسامح شاع الأمن والاستقرار». ومن المواقف الهادفة إلى نشر القيم الصحيحة للدين الإسلامي، القائم على التّسامح ونشر روح المحبة والتعاون بين مختلف شعوب الأرض، التي اتخذها المغفور له الشيخ زايد، مصادقته على الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب التي دخلت حيز التنفيذ اعتبارا من شهر مايو 1999، وتحت هذه المظلة شاركت الإمارات وزراء الداخلية في دول مجلس التعاون في اجتماعهم الذي عقد بالمنامة بتاريخ 30 أكتوبر 2001، وأعلنت تأييدها للتحرك والتعاون الدولي لمكافحة الإرهاب، وقطع مصادر التمويل عنه وعلاج أسبابه، كما أكدت مع دول مجلس التعاون وجوب التمييز بين الإرهاب والحقّ في الكفاح والنّضال المشروع.

ضد التعصب
هذه القاعدة التأسيسية التي باشرها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، لأغلى قيمة إنسانية وأكثرها احتياجاً في العصر الحديث، شكّلت القاعدة الصلبة التي ستستند إليها السياسات الإماراتية تحت قيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، بتأصيل المفهوم أولاً في الوعي الفردي والجمعي، من خلال فعل تثقيفي وتنويري مستدام تولته مختلف أجهزة الدولة، ومن ثم بإيجاد الإطار التشريعي «القانوني»، والبناء المؤسسي الذي يرعاه ويطوره ويعمل على تجذيره بدأب يومي.
ومن خلال ذلك، يمكن أن نتلمس الغايات والخلاصات التي تحدد النهج الإماراتي في موضوع التسامح. فمن الناحية المفاهيمية، يقع مفهوم التسامح على الضفة البعيدة والمناقضة لمفهوم التعصب، ولنا أن نتخيل البون الشاسع بين الضفتين إذا ما تحوّل المفهومان إلى واقعين يمكن تلمسهما والتعاطي معهما، حيث ينمو في ضفة التسامح، ذلك النزوع الإنساني السويّ، الذي دعت له الديانات الكبرى والأفكار الفلسفية العظيمة من أجل عمارة الأرض، والسعي لازدهارها وتنوعها سواء على مستوى الوعي الفردي المنفتح والمتصالح مع الآخر، أو على مستوى العمل الجماعي المكتمل بتشريعات وقوانين وحوافز تنمي الخواصّ الإبداعية والذائقة الجمالية والطاقة المعرفية.
بينما يمكن وصف ضفة التعصب في الجهة المقابلة، بأنها ضفة موبوءة بالسواد، وحصادها شوك وحنظل، ذلك أن أفرادها موهومون، وسكانها ملتاثون، اختاروا العتمة والبلادة والتوحش، وركنوا لها، وخضعوا لشروطها، فصار الهدم مطلبهم، والكراهية زادهم ومشربهم، فبارت بضاعتهم، وانطفأت أرواحهم في نفق عميق وسحيق، لم يصافح الضوء يوماً، ولم يتنفس الحرية أبداً، ولم يظفر باستنارة في الوعي، ولم يغنم مساحة للأمل، ولا لحق بقطار التحضّر والتطور والتغيّر الإيجابي، خدمة للبشرية وتوقاً لإسعادها وتحقيق رفاهيتها.
وتنظر المفاهيم الدينية النقية إلى التسامح على أنه مبدأ إنساني يدفع الشخص إلى نسيان الأحداث الماضية، والتي سببت له الألم والأذى بكامل إرادته، وكذلك التخلي عن فكرة الانتقام، والتفكير بالأمور الإيجابية لدى الناس وعدم الحكم عليهم وإدانتهم، ومعاملتهم بلين وبعاطفة تشتمل على الرحمة والتوقير وتجاوز الأخطاء.
ومن هنا تأتي الرغبة الصادقة لحكام وقادة دولة الإمارات في نشر مفهوم التسامح وتحويله لعلامة متوهجة نحو مستقبل يبشّر بالخلاص من شوائب العنصرية التي تستمد مشروعيتها البغيضة في المجتمعات الأخرى المتخلفة والآيلة للانقراض استناداً إلى العرق والدين واللون، وغيرها من الفوارق التي لا يمكن للواقع الإنساني أن يتدخل لتغييرها قسراً؛ لأنه من المستحيل على أي قوة فوق وجه الأرض أن تعمل على قولبة وتنميط البشر، وجعلهم قطعاناً تساق على مذبح التعنت والقسوة والإجبار.

مناخ كوزموبوليتي
وتشير الإحصائيات إلى وجود 200 جنسية في دولة الإمارات، وهذا المناخ الكوزموبوليتي المتنوع والمدهش لم يكن ليتحقق لولا وجود فضاء صحي يحتويه، فضاء مشبع بروحية التسامح والتعايش واحترام القانون من أجل خلق بيئة تنموية مستدامة تقبل الآخر وتستوعب الأطياف المختلفة، وتؤمن بالمساواة والاعتدال ونبذ التفرقة، الأمر الذي جعل الإمارات سبّاقة في وضع تشريعات ورؤى واستراتيجيات قصيرة وعاجلة، وأخرى طويلة المدى لترسيخ مفهوم التسامح، باعتباره بوابة خلاص من النكوص والتراجع الحضاري، وباعتباره سداً منيعاً في وجه الأفكار التراثية الجامدة والمغلوطة، التي أثبت الزمن، وأثبتت التجارب التاريخية عدم جدواها، وعدم صوابية اعتمادها مرجعاً وحيداً ونهائياً لا يقبل المرونة ومجاراة الظروف المستجدة والتكيف معها ما دامت نتائجها مثمرة وواعدة.
وقد أطلقت دولة الإمارات «البرنامج الوطني للتسامح»، وأنشأت كذلك وزارة للتسامح، وأسست مراكز عدة لمكافحة التمييز والتطرف والإرهاب.
فوجود وزارة للتسامح جعل من دولة الإمارات شريكاً أساسياً في اتفاقيات ومعاهدات دولية عدة ترتبط بنبذ العنف والتطرف والتمييز، وحولتها إلى عاصمة عالمية تلتقي فيها حضارات الشرق والغرب، لتعزيز السلام والتقارب بين الشعوب كافة.
وتحتضن الدولة كنائس ومعابد عدة تتيح للأفراد من جنسيات مختلفة ممارسة شعائرهم الدينية، ولدى الدولة مبادرات دولية عدة ترسخ الأمن والسلم العالمي، وتحقق العيش الكريم للجميع.
ومن أبرز الجوائز في هذا المجال، جائزة محمد بن راشد آل مكتوم للسلام العالمية، التي تنطلق من التعاليم الإسلامية السمحة، وتتجلى فيها معاني التسامح والاعتدال، فضلاً عن دورها في خلق قنوات للتواصل مع الشعوب كافة، تعزيزاً للعلاقات الدولية، وتحقيقاً للسلام العالمي.

بناء مؤسسي
وقد تم استحداث منصب وزير دولة للتسامح لأول مرة في دولة الإمارات في فبراير 2016 أثناء إعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي عن التشكيل الوزاري الثاني عشر والتغييرات الجوهرية في الحكومة الاتحادية، والأسباب التي دفعت قيادة الدولة إلى تعيين وزير دولة للتسامح، حيث قال سموه: «لا يمكن أن نسمح بالكراهية في دولتنا، ولا يمكن أن نقبل بأي شكل من أشكال التمييز بين أي شخص يقيم عليها، أو يكون مواطناً فيها».
 وهذه الوزارة الجديدة تدعم موقف الدولة نحو ترسيخ قيم التسامح، والتعددية، والقبول بالآخر، فكرياً وثقافياً وطائفياً ودينياً.
واعتمد مجلس الوزراء في يونيو 2016 البرنامج الوطني للتسامح، بهدف إظهار الصورة الحقيقية للاعتدال، واحترام الآخر، ونشر قيم السلام والتعايش. ويرتكز البرنامج الوطني للتسامح على سبعة أركان رئيسة هي: الإسلام، الدستور الإماراتي، إرث المغفور له الشيخ زايد، الأخلاق الإماراتية، المواثيق الدولية، الآثار والتاريخ، الفطرة الإنسانية، والقيم المشتركة.
ويبدو واضحاً من خلال هذه الأركان السبعة انحياز الإمارات الواضح لوسطية مستمدة من قيم دينية وإنسانية ترفض الغلو، وتنبذ التفاسير المتشددة المنبثقة من ظروف تاريخية قديمة تحكمت بها أهواء فقهاء ومفسرين لا يمكن نفي الطبيعة البشرية عنهم أو تنزيههم عن الأخطاء والميل لمصالح شخصية في أزمنة اشتهرت بالاستبداد والإقصاء العنيف للرأي المخالف، حتى وإن كان هذا الرأي متخلصا من الأنانية الفردية، وموجها للصالح العام.
يعمل البرنامج الوطني للتسامح في الإمارات بالتعاون مع الجهات الاتحادية، والمحلية - كما ورد في بنوده - ضمن خمسة محاور رئيسة تركز على: دور الحكومة كحاضنة للتسامح، ترسيخ دور الأسرة المترابطة في بناء المجتمع، تعزيز التسامح لدى الشباب ووقايتهم من التعصب والتطرف، إثراء المحتوى العلمي والثقافي، المساهمة في الجهود الدولية للتسامح، وإبراز دور الدولة الرائد في هذا المجال.
كما يتضمن البرنامج حزمة من المبادرات مثل أسبوع التسامح، ومركز الإمارات للتسامح، وبرنامج المسؤولية التسامحية للمؤسسات، الذي يعد الأول من نوعه في العالم.

تحصين قانوني
ويتجلى الوعي بأهمية ترسيخ مفهوم التسامح بالإمارات في عدد من المبادرات التي اتخذتها الحكومة في المجال، مثل: قانون مكافحة التمييز والكراهية، حيث اصدر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، مرسوماً بقانون رقم 2 لسنة 2015 بشأن مكافحة التمييز والكراهية، ويهدف القانون إلى إثراء ثقافة التسامح العالمي، ومواجهة مظاهر التمييز والعنصرية، أياً كانت طبيعتها، عرقية، أو دينية، أو ثقافية، ويقضي القانون بتجريم الأفعال المرتبطة بازدراء الأديان ومقدساتها، ومكافحة أشكال التمييز كافة، ونبذ خطاب الكراهية عبر مختلف وسائل وطرق التعبير.
 كما لا يجوز الاحتجاج بحرية الرأي والتعبير لإتيان أي قول أو عمل من شأنه التحريض على ازدراء الأديان أو المساس بها، بما يخالف أحكام هذا المرسوم.
ويحظر القانون التمييز بين الأفراد أو الجماعات على أساس الدين، أو العقيدة، أو المذهب، أو الملة، أو الطائفة، أو العرق، أو اللون، أو الأصل.
 كما جرم القانون كل قول أو عمل من شأنه إثارة الفتنة أو النعرات، أو التمييز بين الأفراد أو الجماعات من خلال نشره على شبكة المعلومات، أو شبكات الاتصالات، أو المواقع الإلكترونية، أو المواد الصناعية، أو وسائل تقنية المعلومات، أو أي وسيلة من الوسائل المقروءة أو المسموعة أو المرئية، وذلك بمختلف طرق التعبير كالقول، أو الكتابة، أو الرسم.
أما «المعهد الدولي للتسامح» الذي أطلقته دولة الإمارات في عام 2017، فيهدف إلى بث روح التسامح في المجتمع، وتعزيز مكانة دولة الإمارات إقليمياً ودولياً كنموذج في التسامح، وترسيخ ثقافة الانفتاح والحوار الحضاري، ونبذ التعصب والتطرف والانغلاق الفكري، وكل مظاهر التمييز بين الناس بسبب الدين أو الجنس أو العرق أو اللون أو اللغة.
ويتضمن قانون إنشاء المعهد الدولي للتسامح إطلاق جائزة تسمى «جائزة محمد بن راشد آل مكتوم للتسامح» يتم من خلالها تكريم الفئات والجهات التي لها إسهامات متميزة في ترسيخ قيم التسامح على المستويين الوطني والدولي، وتشجيع الحوار بين الأديان وإبراز الصورة الحقيقية للإسلام، باعتباره دين تسامح وسلام.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©